ومنه يظهر وجه التأمل فيمن جمع بين اعتبارهما معا كما ذهب إليه بعض المتأخرين، وحكاه عن جماعة، والظاهر أن ألفاظ هذا القسم ولا سيما لفظ الأمر منها لها ظهور قوي في الوجوب، حتى أن كثيرا من القائلين باشتراك الصيغة بين الوجوب والندب يقولون باختصاص لفظ الأمر بالوجوب، والدليل عليه الفهم العرفي لا بعض الاستعمالات الواردة في الكتاب والسنة، كما استدل به في الفصول (1)، وتبعه فيه بعض الأساتيذ، لوجوه شتى لا يخفى شيء منها على المتأمل، كما اعترف ببعضه.
وأما القسم الثاني فهو الذي يسمى في اصطلاح الأصوليين بصيغة الأمر، وهذا مراد من جعل العنوان صيغة افعل، وما في معناها، ولعله عدل عنه لئلا يوهم أن المراد لفظ الأمر، كما ذكره في الفصول، وأورد عليه بأنه يتناول ما دل على معناه ولو مجازا، وهو خارج عن المبحث قطعا (2).
ولم يظهر لي وجه خروج ذلك عن المبحث، فضلا عن القطع به، إذ البحث في مدلول الهيئة، والهيئة في مثل قولك: اقتله. أي اضربه ضربا موجعا، مستعملة في معناها الحقيقي، ولا مجاز فيه إن قلنا به إلا في المادة، وهو إرادة الضرب من القتل، ومثل هذا داخل في محل النزاع قطعا.
اللهم إلا أن يريد به الجمل الإخبارية المستعملة في الإنشاء، فإن كانت خارجة عن مورد النزاع فهي أيضا خارجة عن معنى افعل.
وأما القسم الثالث فقد جزم في الفصول بخروجه من محل النزاع لفظا وإن دخل فيه معنى (3).
أقول: وهذا حسن لو كان الكلام في مدلول هيئة المشتقات، كما هو ظاهر