حاول صعبا، بل رام ممتنعا، فحال المجاز حال غيره من مذاهب البلغاء، ويشبه من هذه الجهة ما يتكلم به على سبيل المزاح والمجون (1)، ولهذا قال الفقهاء:
إن المبالغة ليست بكذب كغيرها من هزل الكلام ومجونه.
(فصل) ومما ذكرنا في المجاز يتضح الحال في الكناية، ويستغنى به عن تلك التكلفات والتطويلات المملة المذكورة في كتب الأصول والبيان، وأن الحال فيها كالحال في المجاز بعينه، والألفاظ فيها مستعملة في معانيها الحقيقة بالإرادة الاستعمالية، والغرض الذي يعبر عنه بالإرادة الجدية هو الملزوم.
ومن الغريب ما ذكروه في الفرق بينها وبين المجاز من لزوم القرينة المعاندة فيه وعدمها فيها مع أن الحال فيهما واحد، لأن السامع إن كان عالما بالغرض الأصلي، وعدم مطابقته مع الاستعمال فهو يستغني عن القرينة فيهما معا، وإلا فهي لازمة في الكناية لزومها في المجاز بعينه، فمن قال: «زيد طويل النجاد» (2) كناية، وكان السامع بليدا يزعم أنه يريد الإخبار عن طول النجاد (3) فلا بد أن ينصب له قرينة تدله على أن المراد طول قامته، وأنه لم يشتمل سيفا طول عمره، ولم يصاحب عاتقه نجاد قط.
ومن هذا يظهر خطأ من جعل الكناية قسيما للحقيقة والمجاز، وثلثهما بها،