والجواب عن ذلك انا لا ننكر ان يكون أصل الاشتقاق ما ذكروه لكن صار بعرف اللغة ومواضعتهم مخصوصا ببعض ذلك وهو إذا كانوا ثلاثة منضمين وجرى ذلك مجرى قولهم (دابة) في أنه موضوع في أصل اللغة لكل ما يدب ثم صار بعرف اللغة مخصوصا لدابة بعينها فكك لفظ الجمع على أنه انما نريد بقولنا: أقل الجمع ثلاثة ان احكام الثلاثة لا تجرى على الاثنين واحكام الاثنين لا تجرى على ثلاثة على ما بيناه.
فان سلموا ذلك وقالوا مع ذلك الاثنان من حيث الاشتقاق كان ذلك خلافا في عبارة لا يعتد بمثله.
واستدلوا أيضا: بما روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه قال: (الاثنان فما فوقهما جماعة) (١) فسماهما جماعة.
والجواب عن ذلك: ان قوله عليه السلام ينبغي ان يحمل على الاحكام لأنها المستفادة من جهته ولا يحمل على الأسماء لأنها مستفادة معلومة باللغة.
وقد قيل في معناه شيئان: أحدهما: انه كان نهى عن خروج الرجل وحده في السفر ثم أباح ذلك في الاثنين فخبر عند ذلك أن حكم الاثنين في جواز السفر حكم الثلاثة وما زاد على ذلك.
والوجه الاخر: انه أراد بذلك فضيلة الجماعة بالصلاة لان حكم الاثنين في انعقاد الجماعة بهما وحصول الفضل لهما حكم الثلاثة وما زاد على ذلك فينبغي أن يحمل الخبر عليهم.
ومنها: قوله تعالى: ﴿وكنا لحكمهم شاهدين﴾ (2) وعنى بذلك داود وسليمان وهما اثنان.