أمر معقول والحاجة إلى استعماله ماسة فلابد أن يكونوا وضعوا لذلك عبارة يلتجئون إليها عند الحاجة إلى ذلك كما أنهم وضعوا لسائر اقسام الكلام وقد قلنا ما عندنا في هذه الطريقة.
واستدلوا أيضا بان قالوا: لا يخلو لفظة (من) أن تكون موضوعة لغير العقلاء أو لبعض العقلاء أو لكل واحد منهم على البدل أو لجميعهم على جهة الاستغراق.
قالوا: ولا يجوز أن تكون موضوعة لغير العقلاء لان ذلك معلوم خلافه وهو متفق عليه أيضا ولا ان تكون موضوعة لبعضهم لأنه ليس بعضهم بان يتناوله أولى من بعض ولا أن تكون موضوعة لواحد لا بعينه لمثل ما قلناه ولأنه لو كان كذلك لجرى مجرى أسماء النكرات وقد علمنا خلاف ذلك.
وأيضا: فلو كان لواحد لا بعينه لكان السائل إذا استفهم فقال: (من عندك؟) لم يحسن ان يجاب بذكر نفسين أو ما زاد عليهما لان السؤال وقع عن واحد وقد علمنا خلاف ذلك. فلم يبق بعد ذلك الا انها مستغرقة لجميع العقلاء.
وقد استدلوا أيضا على ذلك بأن قالوا: وجدنا العموم قد اكد بلفظ لا يؤكد به الخصوص وكذلك الخصوص أكد بلفظ لا يؤكد به العموم الا ترى انهم يقولون:
(رأيت القوم أجمعين) و (رأيت زيدا نفسه) ولا يحسن ان يقول القائل: (رأيت القوم نفس) ولا (رأيت زيدا أجمعين).
فلما ثبت هذا دل على معنيهما يختلف كما أن تأكيديهما يختلف ولا يختلفان الا بأن يكون أحدهما عاما والاخر يكون خاصا (1).
ويمكن الاعتراض على هذا الدليل بأن يقال: انما لم يحسن ان يقال: (رأيت زيدا أجمعين) لان زيدا يختص شخصا واحدا فلا يجوز ان يؤكد بما يختص الجماعة وان كانت غير مستغرقة وكذلك انما لم يحسن ان يقال: (رأيت القوم نفسه) لان