أخرى.
فاما من قال: انه انما لم يحسن الاستثناء من لفظ الواحد المنكر في الاثبات من حيث إنه كان من حق الاستثناء ان يميز ذاتا من ذات وإذا قال: (رأيت رجلا) ثم قال: (الا زيدا) فلم يميز ذاتا من ذات لان الذات واحدة وانما ميزها بصفة كأنه قال:
ليس صفتها ان يكون زيدا وذلك ضد حقيقة الاستثناء.
فان ذلك يبطل بما قلناه من لفظ النكرة في النفي وقولهم: (ما جاءني من أحد) فان اللفظ واحد والتميز يقع ها هنا بالتسمية والصفة ومع ذلك فإنه يحسن الاستثناء بلا خلاف على أن الذي ذكروه غير صحيح لان لفظ (رجل) يقع على كل رجل صلاحا فإذا استثنى بعض الرجال فقد ميز ذاتا من غيرها على ما تقتضيه حقيقتها.
فان قالوا: كيف يكون الاستثناء دليلا في هذا الموضع ونحن نعلم أن القائل إذا قال: (من دخل داري أكرمته) لم يحسن ان يقول: (الا الشياطين) وان كانوا من العقلاء؟
وكذلك إذا قال: (من دخل داري ضربته) لم يحسن ان يقول: (الا الملائكة) وان كانوا من جملة العقلاء؟
فعلم بذلك ان الاستثناء ليس بدلالة على أن اللفظ متناول لجميع العقلاء.
قيل لهم: ان الذي ذكرتموه لا ينقض استدلالنا لان هذا السؤال يتضمن ان اللفظ قد يشمل على من لم يحسن استثناؤه وذلك لا يضرنا وانما كان ينقض دليلنا لو تبينوا حسن الاستثناء من لفظ لا يتناول ما استثنى وذلك متعذر على ما بيناه.
على أنه انما لم يحسن استثناء واحد من الفريقين المذكورين في السؤال من حيث علمنا بالعادة انه لم يقصدهما باللفظ فصار الفريقان في حكم ما لم يتناوله اللفظ أصلا ومتى فرضنا ان الكلام صادر من الحكيم تعالى حسن ان يقول:
(من عصاني عاقبته الا إبليس) لما كان اللفظ متناولا له وجاز أن يكون مقصودا به وانما امتنع في الواحد منا لما قلناه.
فان قالوا: لو كان قول القائل: (من دخل داري ضربته) متناولا لجميع العقلاء لم