الوجه الثاني: في تفسير الآية أن يكون المعنى: ليجزي الذين آمنوا بقسطهم، وبما أقسطوا وعدلوا ولم يظلموا أنفسهم حيث آمنوا وعملوا الصالحات، لأن الشرك ظلم. قال الله تعالى: * (إن الشرك لظلم عظيم) * (لقمان: 13) والعصاة أيضا قد ظلموا أنفسهم. قال الله تعالى: * (فمنهم ظالم لنفسه) * (فاطر: 32) وهذا الوجه أقوى، لأنه في مقابلة قوله: * (بما كانوا يكفرون) * (يونس: 70). وأما قوله تعالى: * (والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: قال الواحدي: الحميم: الذي سخن بالنار حتى انتهى حره. يقال: حممت الماء أي سخنته، فهو حميم. ومنه الحمام.
المسألة الثانية: احتج أصحابنا بهذه الآية على أنه لا واسطة بين أن يكون المكلف مؤمنا وبين أن يكون كافرا، لأنه تعالى اقتصر في هذه الآية على ذكر هذين القسمين.
وأجاب القاضي عنه: بأن ذكر هذين القسمين لا يدل على نفي القسم الثالث. والدليل عليه قوله تعالى: * (والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع) * (النور: 45) ولم يدل ذلك على نفي القسم الرابع، بل نقول: إن في مثل ذلك ربما يذكر المقصود أو الأكثر، ويترك ذكر ما عداه، إذا كان قد بين في موضع آخر. وقد بين الله تعالى القسم الثالث في سائر الآيات.
والجواب أن نقول: إنما يترك القسم الثالث الذي يجري مجرى النادر، ومعلوم أن الفساق أكثر من أهل الطاعات، وكيف يجوز ترك ذكرهم في هذا الباب؟ وأما قوله تعالى: * (والله خلق كل دابة من ماء) * فإنما ترك ذكر القسم الرابع والخامس، لأن أقسام ذوات الأرجل كثيرة. فكان ذكرها بأسرها يوجب الإطناب بخلاف هذه المسألة. فإنه ليس ههنا إلا القسم الثالث، وهو الفاسق الذي يزعم الخصم أنه لا مؤمن ولا كافر. فظهر الفرق.
قوله تعالى * (هو الذى جعل الشمس ضيآء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين