النوع الثالث: من تلك الأشياء قوله: * (ومن آمن) * قالوا كانوا ثمانين. قال مقاتل: في ناحية الموصل قرية يقال لها قرية الثمانين سميت بذلك، لأن هؤلاء لما خرجوا من السفينة بنوها، فسميت بهذا الاسم وذكروا ما هو أزيد منه وما هو أنقص منه وذلك مما لا سبيل إلى معرفته إلا أن الله تعالى وصفهم بالقلة وهو قوله تعالى: * (وما آمن معه إلا قليل) *.
فإن قيل: لما كان الذين آمنوا معه ودخلوا في السفينة كانوا جماعة فلم لم يقل قليلون كما في قوله: * (إن هؤلاء لشرذمة قليلون) * (الشعراء: 54).
قلنا: كلا اللفظين جائز، والتقدير ههنا وما آمن معه إلا نفر قليل، فأما الذي يروي أن إبليس دخل السفينة فبعيد، لأنه من الجن وهو جسم ناري أو هوائي وكيف يؤثر الغرق فيه، وأيضا كتاب الله تعالى لم يدل عليه وخبر صحيح ما ورد فيه، فالأولى ترك الخوض فيه.
قوله تعالى * (وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربى لغفور رحيم) *.
أما قوله: * (وقال) * يعني نوح عليه السلام لقومه: * (اركبوا) * والركوب العلو على ظهر الشيء ومنه ركوب الدابة وركوب السفينة وركوب البحر وكل شيء علا شيئا فقد ركبه، يقال ركبه الدين قال الليث: وتسمي العرب من يركب السفينة راكب السفينة. وأما الركبان والركب من ركبوا الدواب والإبل. قال الواحدي: ولفظة (في) في قوله: * (اركبوا فيها) * لا يجوز أن تكون من صلة الركوب، لأنه يقال ركبت السفينة ولا يقال ركبت في السفينة، بل الوجه أن يقال مفعول اركبوا محذوف والتقدير اركبوا الماء في السفينة، وأيضا يجوز أن يكون فائدة هذه الزيادة، أنه أمرهم أن يكونوا في جوف الفلك لا على ظهرها فلو قال اركبوها: لتوهموا أنه أمرهم أن يكونوا على ظهر السفينة.
أما قوله تعالى: * (بسم الله مجريها ومرساها) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم مجريها بفتح الميم والباقون بضم الميم واتفقوا في مرساها أنه بضم الميم، وقال صاحب " الكشاف ": قرأ مجاهد * (مجريها ومرسيها) * بلفظ اسم الفاعل مجروري المحل صفتين لله تعالى. قال الواحدي: المجرى مصدر كالإجراء، ومثله قوله: * (منزلا مباركا) * (المؤمنون: 29) * (أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق) * (الإسراء: 80) وأما من قرأ * (مجريها) * بفتح الميم، فهو أيضا مصدر، مثل الجري. واحتج صاحب هذه القراءة بقوله: * (وهي تجري بهم) * (هود: 42) ولو كان مجراها لكان وهي تجريهم، وحجة من ضم الميم أن جرت بهم وأجرتهم يتقاربان في المعنى، فإذا قال: * (تجري