سوى الكتاب. وأيضا فقد كان فيهم من يدعي إمكان المعارضة، كما أخبر الله تعالى أنهم قالوا: * (لو شئنا لقلنا مثل هذا) * وإذا كان الأمر كذلك لا جرم طلبوا منه شيئا آخر سوى القرآن، ليكون معجزة له، فحكى الله تعالى عنهم ذلك بقوله: * (ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه) * فأمر الله رسوله عليه الصلاة والسلام أن يقول عند هذا السؤال * (إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين) *.
واعلم أن الوجه في تقرير هذا الجواب أن يقال: أقام الدلالة القاهرة على أن ظهور القرآن عليه معجزة قاهرة ظاهرة. لأنه عليه الصلاة والسلام بين أنه نشأ فيما بينهم وتربى عندهم، وهم علموا أنه لم يطالع كتابا، ولم يتلمذ لأستاذ. بل كان مدة أربعين سنة معهم ومخالطا لهم، وما كان مشتغلا بالفكر والتعلم قط، ثم إنه دفعة واحدة ظهر هذا القرآن العظيم عليه، وظهور مثل هذا الكتاب الشريف العالي، على مثل ذلك الإنسان الذي لم يتفق له شيء من أسباب التعلم، لا يكون إلا بالوحي. فهذا برهان قاهر على أن القرآن معجز قاهر ظاهر، وإذا ثبت هذا كان طلب آية أخرى سوى القرآن من الاقتراحات التي لا حاجة إليها في إثبات نبوته عليه الصلاة والسلام، وتقرير رسالته، ومثل هذا يكون مفوضا إلى مشيئة الله تعالى، فإن شاء أظهرها، وإن شاء لم يظهرها، فكان ذلك من باب الغيب، فوجب على كل أحد أن ينتظر أنه هل يفعله الله أم لا؟ ولكن سواء فعل أو لم يفعل، فقد ثبتت النبوة، وظهر صدقه في ادعاء الرسالة، ولا يختلف هذا المقصود بحصول تلك الزيادة وبعدمها، فظهر أن هذا الوجه جواب ظاهر في تقرير هذا المطلوب.
قوله تعالى * (وإذآ أذقنا الناس رحمة من بعد ضرآء مستهم إذا لهم مكر فى ءاياتنا قل الله أسرع مكرا إن رسلنا يكتبون ما تمكرون) *.
في الآية مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أن القوم لما طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم آية أخرى سوى القرآن، وأجاب الجواب الذي قررناه وهو قوله: * (إنما الغيب لله) * (يونس: 20) ذكر جوابا آخر وهو المذكور في هذه الآية، وتقريره من وجهين:
الوجه الأول: أنه تعالى بين في هذه الآية أن عادة هؤلاء الأقوام المكر واللجاج والعناد