البحث الثاني: إنما قال: * (وملئهم) * مع أن فرعون واحد لوجوه: الأول: أنه قد يعبر عن الواحد بلفظ الجمع، والمراد التعظيم قال الله تعالى: * (إنا نحن نزلنا الذكر) * (الحجر: 9) الثاني: أن المراد بفرعون آل فرعون. الثالث: أن هذا من باب حذف المضاف كأنه أريد بفرعون آل فرعون.
ثم قال: * (أن يفتنهم) * أي يصرفهم عن دينهم بتسليط أنواع البلاء عليهم.
ثم قال: * (وإن فرعون لعال في الأرض) * أي لغالب فيها قاهر * (وإنه لمن المسرفين) * قيل: المراد أنه كثير القتل كثير التعذيب لمن يخالفه في أمر من الأمور، والغرض منه بيان السبب في كون أولئك المؤمنين خائفين، وقيل: إنما كان مسرفا لأنه كان من أخس العبيد فادعى الإلهية.
قوله تعالى * (وقال موسى يا قوم إن كنتم ءامنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين * فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين * ونجنا برحمتك من القوم الكافرين) *.
في الآية مسائل:
المسألة الأولى: أن قوله: * (إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين) * جزاء معلق على شرطين: أحدهما متقدم والآخر متأخر، والفقهاء قالوا: المتأخر يجب أن يكون متقدما والمتقدم يجب أن يكون متأخرا ومثاله أن يقول الرجل لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق إن كلمت زيدا وإنما كان الأمر كذلك، لأن مجموع قوله: إن دخلت الدار فأنت طالق، صار مشروطا بقوله إن كلمت زيدا، والمشروط متأخر عن الشرط، وذلك يقتضي أن يكون المتأخر في اللفظ متقدما في المعنى، وأن يكون المتقدم في اللفظ متأخرا في المعنى والتقدير: كأنه يقول لامرأته حال ما كلمت زيدا إن دخلت الدار فأنت طالق، فلو حصل هذا التعليق قبل إن كلمت زيدا لم يقع الطلاق.
إذا عرفت هذا فنقول: قوله: * (إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين) * يقتضي أن يكون كونهم مسلمين شرطا لأن يصيروا مخاطبين بقوله: * (إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا) * فكأنه