ويحصل الوقوف على كل باب واحد منها على الوجه الأكمل.
المسألة الرابعة: معنى * (ثم) * في قوله: * (ثم فصلت) * ليس للتراخي في الوقت، لكن في الحال كما تقول: هي محكمة أحسن الإحكام، ثم مفصلة أحسن التفصيل، وكما تقول: فلان كريم الأصل ثم كريم الفعل.
المسألة الخامسة: قال صاحب " الكشاف ": قرىء * (أحكمت آياته ثم فصلت) * أي أحكمتها أنا ثم فصلتها، وعن عكرمة والضحاك * (ثم فصلت) * أي فرقت بين الحق والباطل.
المسألة السادسة: احتج الجبائي بهذه الآية على أن القرآن محدث مخلوق من ثلاثة أوجه: الأول: قال المحكم: هو الذي أتقنه فاعله، ولولا أن الله تعالى يحدث هذا القرآن وإلا لم يصح ذلك لأن الإحكام لا يكون إلا في الأفعال، ولا يجوز أن يقال: كان موجودا غير محكم ثم جعله الله محكما، لأن هذا يقتضي في بعضه الذي جعله محكما أن يكون محدثا، ولم يقل أحد بأن القرآن بعضه قديم وبعضه محدث. الثاني: أن قوله: * (ثم فصلت) * يدل على أنه حصل فيه انفصال وافتراق، ويدل على أن ذلك الانفصال والافتراق إنما حصل بجعل جاعل، وتكوين مكون، وذلك أيضا يدل على المطلوب. الثالث: قوله: * (من لدن حكيم خبير) * والمراد من عنده، والقديم لا يجوز أن يقال: إنه حصل من عند قديم آخر، لأنهما لو كانا قديمين لم يكن القول بأن أحدهما حصل من عند الآخر أولى من العكس.
أجاب أصحابنا بأن هذه النعوت عائدة إلى هذه الحروف والأصوات ونحن معترفون بأنها محدثة مخلوقة، وإنما الذي ندعي قدمه أمر آخر سوى هذه الحروف والأصوات.
المسألة السابعة: قال صاحب " الكشاف " قوله: * (من لدن حكيم خبير) * يحتمل وجوها: الأول: أنا ذكرنا أن قوله: * (كتاب) * خبر و * (أحكمت) * صفة لهذا الخبر، وقوله: * (من لدن حكيم خبير) * صفة ثانية والتقدير: الر كتاب من لدن حكيم خبير. والثاني: أن يكون خبرا بعد خبر والتقدير: الر من لدن حكيم خبير. والثالث: أن يكون ذلك صفة لقوله: * (أحكمت. وفصلت) * أي أحكمت وفصلت من لدن حكيم خبير، وعلى هذا التقدير فقد حصل بين أول هذه الآية وبين آخرها نكتة لطيفة كأنه يقول أحكمت آياته من لدن حكيم وفصلت من لدن خبير عالم بكيفيات الأمور.
قوله تعالى * (ألا تعبدوا إلا الله إننى لكم منه نذير وبشير * وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه