قوله تعالى * (فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنمآ أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون) *.
اعلم أن الآية المتقدمة اشتملت على خطابين: أحدهما: خطاب الرسول، وهو قوله: * (قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات) * والثاني: خطاب الكفار وهو قوله: * (وادعوا من استطعتم من دون الله) * (يونس: 38) فلما أتبعه بقوله: * (فإن لم يستجيبوا لكم) * احتمل أن يكون المراد أن الكفار لم يستجيبوا في المعارضة لتعذرها عليهم، واحتمل أن من يدعونه من دون الله لم يستجيبوا، فلهذا السبب اختلف المفسرون على قولين: فبعضهم قال: هذا خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين، والمراد أن الكفار إن لم يستجيبوا لكم في الإتيان بالمعارضة، فاعلموا أنما أنزل بعلم الله. والمعنى: فاثبتوا على العلم الذي أنتم عليه وازدادوا يقينا وثبات قدم على أنه منزل من عند الله، ومعنى قوله: * (فهل أنتم مسلمون) * أي فهل أنتم مخلصون، ومنهم من قال فيه إضمار، والتقدير: فقولوا أيها المسلمون للكفار اعلموا أنما أنزل بعلم الله.
والقول الثاني: أن هذا خطاب مع الكفار، والمعنى أن الذين تدعونهم من دون الله إذا لم يستجيبوا لكم في الإعانة على المعارضة، فاعلموا أيها الكفار أن هذا القرآن إنما أنزل بعلم الله فهل أنتم مسلمون بعد لزوم الحجة عليكم، والقائلون بهذا القول قالوا هذا أولى من القول الأول، لأنكم في القول الأول احتجتم إلى أن حملتم قوله: * (فاعلموا) * على الأمر بالثبات أو على إضمار القول، وعلى هذا الاحتمال لا حاجة فيه إلى إضمار، فكان هذا أولى، وأيضا فعود الضمير إلى أقرب المذكورين واجب، وأقرب المذكورين في هذه الآية هو هذا الاحتمال الثاني، وأيضا أن الخطاب الأول كان مع الرسول عليه الصلاة والسلام وحده بقوله: * (قل فأتوا بعشر سور) * (هود: 13) والخطاب الثاني كان مع جماعة الكفار بقوله: * (وادعوا من استطعتم من دون الله) * (يونس: 38) وقوله: * (فإن لم يستجيبوا لكم) * خطاب مع الجماعة فكان حمله على هذا الذي قلناه أولى. بقي في الآية سؤالات:
السؤال الأول: ما الشيء الذي لم يستجيبوا فيه؟
الجواب: المعنى فإن لم يستجيبوا لكم في معارضة القرآن، وقال بعضهم فإن لم يستجيبوا لكم في جملة الإيمان وهو بعيد.