قوله تعالى * (ولقد بوأنا بنى إسراءيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جآءهم العلم إن ربك يقضى بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) *.
اعلم أنه تعالى لما ذكر ما وقع عليه الختم في واقعة فرعون وجنوده، ذكر أيضا في هذه الآية ما وقع عليه الختم في أمر بني إسرائيل، وههنا بحثان:
البحث الأول: أن قوله: * (بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق) * أي أسكناهم مكان صدق أي مكانا محمودا، وقوله: * (مبوأ صدق) * فيه وجهان: الأول: يجوز أن يكون مبوأ صدق مصدرا، أي بوأناهم تبوأ صدق. الثاني: أن يكون المعنى منزلا صالحا مرضيا، وإنما وصف المبوأ بكونه صدقا، لأن عادة العرب أنها إذا مدحت شيئا أضافته إلى الصدق تقول: رجل صدق، وقدم صدق. قال تعالى: * (وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق) * (الإسراء: 80) والسبب فيه أن ذلك الشيء إذا كان كاملا في وقت صالحا للغرض المطلوب منه، فكل ما يظن فيه من الخبر، فإنه لا بد وأن يصدق ذلك الظن.
البحث الثاني: اختلفوا في أن المراد ببني إسرائيل في هذه الآية أهم اليهود الذين كانوا في زمن موسى عليه السلام أم الذين كانوا في زمن محمد عليه السلام.
أما القول الأول: فقد قال به قوم ودليلهم أنه تعالى لما ذكر هذه الآية عقيب قصة موسى عليه السلام كان حمل هذه الآية على أحوالهم أولى، وعلى هذا التقدير: كان المراد بقوله: * (ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق) * الشام ومصر، وتلك البلاد فإنها بلاد كثيرة الخصب. قال تعالى: * (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله) * (الإسراء: 1) والمراد من قوله: * (ورزقناهم من الطيبات) * تلك المنافع، وأيضا المراد منها أنه تعالى أورث بني إسرائيل جميع ما كان تحت أيدي قوم فرعون من الناطق والصامت والحرث والنسل، كما قال: * (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها) * (الأعراف: 137).
ثم قال تعالى: * (فما اختلفوا حتى جاءهم العلم) * والمراد أن قوم موسى عليه السلام بقوا على ملة واحدة ومقالة واحدة من غير اختلاف حتى قرؤا التوراة، فحينئذ تنبهوا للمسائل والمطالب ووقع