الصفة الثالثة عشرة: قوله: * (وضل عنهم ما كانوا يفترون) * والمعنى أنهم لما باعوا الدين بالدنيا فقد خسروا، لأنهم أعطوا الشريف، ورضوا بأخذ الخسيس، وهذا عين الخسران في الدنيا ثم في الآخرة فهذا الخسيس يضيع ويهلك ولا يبقى منه أثر، وهو المراد بقوله: * (وضل عنهم ما كانوا يفترون) *.
الصفة الرابعة عشرة: قوله: * (لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون) * وتقريره ما تقدم، وهو أنه لما أعطى الشريف الرفيع ورضي بالخسيس الوضيع فقد خسر في التجارة. ثم لما كان هذا الخسيس بحيث لا يبقى بل لا بد وأن يهلك ويفنى انقلبت تلك التجارة إلى النهاية في صفة الخسارة، فلهذا قال: * (لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون) * وقوله * (لا جرم) * قال الفراء: إنها بمنزلة قولنا لا بد ولا محالة، ثم كثر استعمالها حتى صارت بمنزلة حقا، تقول العرب: لا جرم أنك محسن، على معنى حقا إنك محسن، وأما النحويون فلهم فيه وجوه: الأول: لا حرف نفي وجزم، أي قطع، فإذا قلنا: لا جرم معناه أنه لا قطع قاطع عنهم أنهم في الآخرة هم الأخسرون. الثاني: قال الزجاج إن كلمة * (لا) * نفي لما ظنوا أنه ينفعهم، و * (جرم) * معناه كسب ذلك الفعل، والمعنى: لا ينفعهم ذلك وكسب ذلك الفعل لهم الخسران في الدنيا والآخرة، وذكرنا * (جرم) * بمعنى كسب في تفسير قوله تعالى: * (لا يجرمنكم شنئان قوم) * (المائدة: 2) قال الأزهري، وهذا من أحسن ما قيل في هذا الباب، الثالث: قال سيبويه والأخفش: * (لا) * رد على أهل الكفر كما ذكرنا وجرم معناه حق وصحح، والتأويل أنه حق كفرهم وقوع العذاب والخسران بهم. واحتج سيبويه بقول الشاعر: ولقد طعنت أبا عيينة طعنة * جرمت فزاة بعدها أن يغضبوا أراد حقت الطعنة فزارة أن يغضبوا.
* (إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) *.
اعلم أنه تعالى لما ذكر عقوبة الكافرين وخسرانهم، أتبعه بذكر أحوال المؤمنين، والإخبات هو الخشوع والخضوع وهو مأخوذ من الخبت وهو الأرض المطمئنة وخبت ذكره أي خفي،