قوله تعالى * (وما تكون فى شأن وما تتلوا منه من قرءان ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الارض ولا فى السمآء ولا أصغر من ذالك ولا أكبر إلا فى كتاب مبين) *.
في الآية مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أنه لما أطال الكلام في أمر الرسول بإيراد الدلائل على فساد مذاهب الكفار، وفي أمره بإيراد الجواب عن شبهاتهم، وفي أمره بتحمل أذاهم، وبالرفق معهم ذكر هذا الكلام ليحصل به تمام السلوة والسرور للمطيعين، وتمام الخوف والفزع للمذنبين، وهو كونه سبحانه عالما بعمل كل واحد، وبما في قلبه من الدواعي والصوارف، فإن الإنسان ربما أظهر من نفسه نسكا وطاعة وزهدا وتقوى، ويكون باطنه مملوء من الخبث وربما كان بالعكس من ذلك فإذا كان الحق سبحانه عالما بما في البواطن كان ذلك من أعظم أنواع السرور للمطيعين ومن أعظم أنواع التهديد للمذنبين.
المسألة الثانية: اعلم أنه تعالى خصص الرسول في أول هذه الآية بالخطاب في أمرين، ثم أتبع ذلك بتعميم الخطاب مع كل المكلفين في شيء واحد، أما الأمران المخصوصان بالرسول عليه الصلاة والسلام. فالأول: منهما قوله: * (وما تكون في شأن) * واعلم أن * (ما) * ههنا جحد والشأن الخطب والجمع الشؤون، تقول العرب ما شأن فلان أي ما حاله، قال الأخفش: وتقول ما شأنت شأنه أي ما عملت عمله، وفيه وجهان: قال ابن عباس: وما تكون يا محمد في شأن يريد من أعمال البر وقال الحسن: في شأن من شأن الدنيا وحوائجك فيها. والثاني: منهما قوله تعالى: * (وما تتلوا منه من قرآن) * واختلفوا في أن الضمير في قوله: * (منه) * إلى ماذا يعود؟ وذكروا فيه ثلاثة أوجه: الأول: أنه راجع إلى الشأن لأن تلاوة القرآن شأن من شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو معظم