* (إليه مرجعكم) * وقوله: * (حقا) * مصدرا مؤكدا لقوله: * (وعد الله) * فهذه التأكيدات قد اجتمعت في هذا الحكم.
المسألة الثانية: قرىء * (وعد الله) * على لفظ الفعل. واعلم أنه تعالى لما أخبر عن وقوع الحشر والنشر، ذكر بعده ما يدل على كونه في نفسه ممكن الوجود. ثم ذكر بعده ما يدل على وقوعه. أما ما يدل على إمكانه في نفسه فهو قوله سبحانه: * (إنه يبدأ الخلق ثم يعيده) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: تقرير هذا الدليل أنه تعالى بين بالدليل كونه خالقا للأفلاك والأرضين، ويدخل فيه أيضا كونه خالقا لكل ما في هذا العالم من الجمادات والمعادن والنبات والحيوان والإنسان، وقد ثبت في العقل أن كل من كان قادرا على شيء، وكانت قدرته باقية ممتنعة الزوال، وكان عالما بجميع المعلومات فإنه يمكنه إعادته بعينه، فدل هذا الدليل على أنه تعالى قادر على إعادة الإنسان بعد موته.
المسألة الثانية: اتفق المسلمون على أنه تعالى قادر على إعدام أجسام العالم، واختلفوا في أنه تعالى هل يعدمها أم لا؟ فقال قوم إنه تعالى يعدمها، واحتجوا بهذه الآية وذلك لأنه تعالى حكم على جميع المخلوقات بأنه يعيدها، فوجب أن يعيد الأجسام أيضا، وإعادتها لا تمكن إلا بعد إعدامها، وإلا لزم إيجاد الموجود وهو محال. ونظيره قوله تعالى: * (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده) * (الأنبياء: 104) فحكم بأن الإعادة تكون مثل الابتداء، ثم ثبت بالدليل أنه تعالى إنما يخلقها في الابتداء من العدم، فوجب أن يقال إنه تعالى يعيدها أيضا من العدم.
المسألة الثالثة: في هذه الآية إضمار، كأنه قيل: إنه يبدأ الخلق ليأمرهم بالعبادة، ثم يميتهم ثم يعيدهم، كما قال في سورة البقرة: * (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحيكم) * (البقرة: 28) إلا أنه تعالى حذف ذكر الأمر بالعبادة ههنا، لأجل أنه تعالى قال قبل هذه الآية: * (ذلكم الله ربكم فاعبدوه) * (يونس: 3) وحذف ذكر الإماتة لأن ذكر الإعادة يدل عليها.
المسألة الرابعة: قرأ بعضهم * (إنه يبدأ الخلق ثم يعيده) * بالكسر وبعضهم بالفتح. قال الزجاج: من كسر الهمزة من " أن " فعلى الاستئناف، وفي الفتح وجهان: الأول: أن يكون التقدير: إليه مرجعكم جميعا لأنه يبدأ الخلق ثم يعيده. والثاني: أن يكون التقدير: وعد الله وعدا بدأ الخلق ثم إعادته، وقرئ * (يبدئ) * من أبدأ وقرئ * (حق إنه يبدأ الخلق) * كقولك: حق إن زيدا منطلق.
أما قوله تعالى: * (ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط) * فاعلم أن المقصود منه إقامة الدلالة على أنه لا بد من حصول الحشر والنشر، حتى يحصل الفرق بين المحسن والمسئ، وحتى يصل