فإن الناس كلهم كانوا على الكفر، وإنما حدث الإسلام في بعضهم بعد ذلك، فكيف تطمع في اتفاق الكل على الإيمان؟
القول الثالث: قول من يقول: المراد إنهم كانوا أمة واحدة في أنهم خلقوا على فطرة الإسلام، ثم اختلفوا في الأديان. وإليه الإشارة بقوله عليه الصلاة والسلام: " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه " ومنهم من يقول المراد كانوا أمة واحدة في الشرائع العقلية، وحاصلها يرجع إلى أمرين: التعظيم لأمر الله تعالى والشفقة على خلق الله. وإليه الإشارة بقوله تعالى: * (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا) * (الأنعام: 151) واعلم أن هذه المسألة قد استقصينا فيها في سورة البقرة، فلنكتف بهذا القدر ههنا.
أما قوله تعالى: * (ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون) * فاعلم أنه ليس في الآية ما يدل على أن تلك الكلمة ما هي؟ وذكروا فيه وجوها: الأول: أن يقال لولا أنه تعالى أخبر بأنه يبقى التكليف على عباده، وإن كانوا به كافرين، لقضى بينهم بتعجيل الحساب والعقاب لكفرهم، لكن لما كان ذلك سببا لزوال التكليف، ويوجب الإلجاء، وكان إبقاء التكليف أصوب وأصلح، لا جرم أنه تعالى أخر هذا العقاب إلى الآخرة. ثم قال هذا القائل، وفي ذلك تصبير للمؤمنين على احتمال المكاره من قبل الكافرين والظالمين. الثاني: * (ولولا كلمة سبقت من ربك) * في أنه لا يعاجل العصاة بالعقوبة إنعاما عليهم، لقضى بينهم في اختلافهم، بما يمتاز المحق من المبطل والمصيب من المخطئ الثالث: أن تلك الكلمة هي قوله: " سبقت رحمتي غضبي " فلما كانت رحمته غالبة اقتضت تلك الرحمة الغالبة إسبال الستر على الجاهل الضال وإمهاله إلى وقت الوجدان.
قوله تعالى * (ويقولون لولا أنزل عليه ءاية من ربه فقل إنما الغيب لله فانتظروا إنى معكم من المنتظرين) *.
اعلم أن هذا الكلام هو النوع الرابع من شبهات القوم في إنكارهم نبوته، وذلك أنهم. قالوا: أن القرآن الذي جئتنا به كتاب مشتمل على أنواع من الكلمات، والكتاب لا يكون معجزا، ألا ترى أن كتاب موسى وعيسى ما كان معجزة لهما، بل كان لهما أنواع من المعجزات دلت على نبوتهما