قال تعالى: * (لا تبديل لكلمات الله) * والمراد أنه لا خلف فيها، والكلمة والقول سواء. ونظيره قوله: * (ما يبدل القول لدي) * (ق: 29) وهذا أحد ما يقوي أن المراد بالبشرى وعد الله بالثواب والكرامة لمن أطاعه بقوله: * (يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان) * ثم بين تعالى أن: * (ذلك هو الفوز العظيم) * وهو كقوله تعالى: * (وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا) * (الإنسان: 20) ثم قال القاضي: قوله: * (لا تبديل لكلمات الله) * يدل على أنها قابلة للتبديل، وكل ما قبل العدم امتنع أن يكون قديما. ونظير هذا الاستدلال بحصول النسخ على أن حكم الله تعالى لا يكون قديما وقد سبق الكلام على أمثال هذه الوجوه.
قوله تعالى * (ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا هو السميع العليم * ألا إن الله من فى السماوات ومن فى الارض وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركآء إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون) *.
اعلم أن القوم لما أوردوا أنواع الشبهات التي حكاها الله تعالى عنهم فيما تقدم من هذه السورة وأجاب الله عنها بالأجوبة التي فسرناها وقررناها، عدلوا إلى طريق آخر، وهو أنهم هددوه وخوفوه وزعموا أنا أصحاب التبع والمال، فنسعى في قهرك وفي إبطال أمرك، والله سبحانه أجاب عن هذا الطريق بقوله: * (ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا) *.
واعلم أن الإنسان إنما يحزن من وعيد الغير وتهديده ومكره وكيده، لو جوز كونه مؤثرا في حاله، فإذا علم من جهة علام الغيوب أن ذلك لا يؤثر، خرج من أن يكون سببا لحزنه. ثم إنه تعالى كما أزال عن الرسول حزن الآخرة بسبب قوله: * (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) * (يونس: 62) فكذلك أزال حزن الدنيا بقوله: * (ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا) * فإذا كان الله تعالى هو الذي أرسله إلى الخلق وهو الذي أمره بدعوتهم إلى هذا الدين كان لا محالة ناصرا له ومعينا، ولما ثبت أن العزة والقهر والغلبة ليست إلا له، فقد حصل الأمن وزال الخوف.