ثم قال: * (لقوم يعلمون) * وفيه قولان: الأول: أن المراد منه العقل الذي يعم الكل. والثاني: أن المراد منه من تفكر وعلم فوائد مخلوقاته وآثار إحسانه، وحجة القول الأول: عموم اللفظ، وحجة القول الثاني: أنه لا يمتنع أن يخص الله سبحانه وتعالى العلماء بهذا الذكر، لأنهم هم الذين انتفعوا بهذه الدلائل، فجاء كما في قوله: * (إنما أنت منذر من يخشاها) * (النازعات: 45) مع أنه عليه السلام كان منذرا للكل.
قوله تعالى * (إن فى اختلاف اليل والنهار وما خلق الله فى السماوات والارض الآيات لقوم يتقون) *.
اعلم أنه تعالى استدل على التوحيد والإلهيات أولا: بتخليق السماوات والأرض، وثانيا: بأحوال الشمس والقمر، وثالثا: في هذه الآية بالمنافع الحاصلة من اختلاف الليل والنهار، وقد تقدم تفسيره في سورة البقرة في تفسير قوله: * (إن في خلق السماوات والأرض) * (آل عمران: 9) ورابعا: بكل ما خلق الله في السماوات والأرض، وهي أقسام الحوادث الحادثة في هذا العالم، وهي محصورة في أربعة أقسام: أحدها: الأحوال الحادثة في العناصر الأربعة، ويدخل فيها أحوال الرعد والبرق والسحاب والأمطار والثلوج. ويدخل فيها أيضا أحوال البحار، وأحوال المد والجزر، وأحوال الصواعق والزلازل والخسف. وثانيها: أحوال المعادن وهي عجيبة كثيرة. وثالثها: اختلاف أحوال النبات. ورابعها: اختلاف أحوال الحيوانات، وجملة هذه الأقسام الأربعة داخلة في قوله تعالى: * (وما خلق الله في السماوات والأرض) * والاستقصاء في شرح هذه الأحوال مما لا يمكن في ألف مجلد، بل كل ما ذكره العقلاء في أحوال أقسام هذا العالم فهو جزء مختصر من هذا الباب.
ثم إنه تعالى بعد ذكر هذه الدلائل قال: * (لآيات لقوم يتقون) * فخصها بالمتقين، لأنهم يحذرون العاقبة فيدعوهم الحذر إلى التدبر والنظر. قال القفال: من تدبر في هذه الأحوال علم أن الدنيا مخلوقة لشقاء الناس فيها، وأن خالقها وخالقهم ما أهملهم، بل جعلها لهم دار عمل. وإذا كان كذلك فلا بد من أمر ونهي، ثم من ثواب وعقاب، ليتميز المحسن عن المسئ، فهذه الأحوال في الحقيقة دالة على صحة القول بإثبات المبدأ وإثبات المعاد.