فكأنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم قل أنت * (سبحانه وتعالى عما يشركون) * ويجوز أن يكون الله سبحانه هو الذي نزه نفسه عما قالوه فقال: * (سبحانه وتعالى عما يشركون) *.
قوله تعالى * (وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون) *.
اعلم أنه تعالى لما أقام الدلالة القاهرة على فساد القول بعبادة الأصنام، بين السبب في كيفية حدوث هذا المذهب الفاسد، والمقالة الباطلة، فقال: * (وما كان الناس إلا أمة واحدة) * واعلم أن ظاهر قوله: * (وما كان الناس إلا أمة واحدة لا يدل على أنهم أمة واحدة) * فيماذا؟ وفيه ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنهم كانوا جميعا على الدين الحق، وهو دين الإسلام، واحتجوا عليه بأمور: الأول: أن المقصود من هذه الآيات بيان كون الكفر باطلا، وتزييف طريق عبادة الأصنام، وتقرير أن الإسلام هو الدين الفاضل، فوجب أن يكون المراد من قوله: * (كان الناس أمة واحدة) * هو أنهم كانوا أمة واحدة، إما في الإسلام وإما في الكفر، ولا يجوز أن يقال إنهم كانوا أمة واحدة في الكفر. فبقي أنهم كانوا أمة واحدة في الإسلام، إنما قلنا إنه لا يجوز أن يقال إنهم كانوا أمة واحدة في الكفر لوجوه: الأول: قوله تعالى: * (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد) * (النساء: 41) وشهيد الله لا بد وأن يكون مؤمنا عدلا. فثبت أنه ما خلت أمة من الأمم إلا وفيهم مؤمن. الثاني: أن الأحاديث وردت بأن الأرض لا تخلو عمن يعبد الله تعالى، وعن أقوام بهم يمطر أهل الأرض وبهم يرزقون. الثالث: أنه لما كانت الحكمة الأصلية في الخلق هو العبودية، فيبعد خلو أهل الأرض بالكلية عن هذا المقصود. روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله تعالى نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقية من أهل الكتاب " وهذا يدل على قوم تمسكوا بالإيمان قبل مجيء الرسول عليه الصلاة والسلام، فكيف يقال إنهم كانوا أمة واحدة في الكفر؟ وإذا ثبت أن الناس كانوا أمة واحدة إما في الكفر وإما في الإيمان، وأنهم ما كانوا أمة واحدة في الكفر، ثبت أنهم كانوا أمة واحدة في الإيمان، ثم اختلف القائلون بهذا القول أنهم متى كانوا كذلك؟ فقال ابن عباس ومجاهد كانوا على دين الإسلام في عهد آدم وفي عهد ولده، واختلفوا عند