والقول الثالث: إن المراد بهؤلاء الشركاء، كل من عبد من دون الله تعالى، من صنم وشمس وقمر وأنسي وجني وملك.
البحث الثالث: هذا الخطاب لا شك أنه تهديد في حق العابدين، فهل يكون تهديدا في حق المعبودين. أما المعتزلة: فإنهم قطعوا بأن ذلك لا يجوز. قالوا: لأنه لا ذنب للمعبود، ومن لا ذنب له، فإنه يقبح من الله تعالى أن يوجه التخويف والتهديد والوعيد إليه. وأما أصحابنا، فإنهم قالوا إنه تعالى لا يسئل عما يفعل. البحث الرابع: أن الشركاء قالوا: * (ما كنتم إيانا تعبدون) * وهم كانوا قد عبدوهم، فكان هذا كذبا، وقد ذكرنا في سورة الأنعام اختلاف الناس في أن أهل القيامة هل يكذبون أم لا، وقد تقدمت هذه المسألة على الاستقصاء، والذي نذكره ههنا، أن منهم من قال: إن المراد من قولهم * (ما كنتم إيانا تعبدون) * هو أنكم ما عبدتمونا بأمرنا وإرادتنا؟ قالوا: والدليل على أن المراد ما ذكرناه وجهان: الأول: أنهم استشهدوا بالله في ذلك حيث قالوا: * (فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم) * والثاني: أنهم قالوا: * (إن كنا عن عبادتكم لغافلين) * فأثبتوا لهم عبادة، إلا أنهم زعموا أنهم كانوا غافلين عن تلك العبادة، وقد صدقوا في ذلك، لأن من أعظم أسباب الغفلة كونها جمادات لا حس لها بشيء ولا شعور البتة. ومن الناس من أجرى الآية على ظاهرها. وقالوا: إن الشركاء أخبروا أن الكفار ما عبدوها، ثم ذكروا فيه وجوها: الأول: أن ذلك الموقف موقف الدهشة والحيرة، فذلك الكذب يكون جاريا مجرى كذب الصبيان، ومجرى كذب المجانين والمدهوشين. والثاني: أنهم ما أقاموا لأعمال الكفار وزنا وجعلوها لبطلانها كالعدم، ولهذا المعنى قالوا: إنهم ما عبدونا. والثالث: أنهم تخيلوا في الأصنام التي عبدوها صفات كثيرة، فهم في الحقيقة إنما عبدوا ذوات موصوفة بتلك الصفات، ولما كانت ذواتها خالية عن تلك الصفات، فهم ما عبدوها وإنما عبدوا أمورا تخيلوها ولا وجود لها في الأعيان، وتلك الصفات التي تخيلوها في أصنامهم أنها تضر وتنفع وتشفع عند الله بغير إذنه.
قوله تعالى * (هنالك تبلوا كل نفس مآ أسلفت وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون) *.