هؤلاء إذا كانوا له وفي ملكه فالجمادات أولى بهذه العبودية فيكون ذلك قدحا في جعل الأصنام شركاء لله تعالى.
ثم قال تعالى: * (وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن) * وفي كلمة * (ما) * قولان: الأول: أنه نفي وجحد، والمعنى أنهم ما اتبعوا شريك الله تعالى إنما اتبعوا شيئا ظنوه شريكا لله تعالى. ومثاله أن أحدنا لو ظن أن زيدا في الدار وما كان فيها، فخاطب إنسانا في الدار ظنه زيدا فإنه لا يقال: إنه خاطب زيدا بل يقال خاطب من ظنه زيدا. الثاني: أن * (ما) * استفهام، كأنه قيل: أي شيء يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء، والمقصود تقبيح فعلهم يعني أنهم ليسوا على شيء.
ثم قال تعالى: * (إن يتبعون إلا الظن) * والمعنى أنهم إنما اتبعوا ظنونهم الباطلة وأوهامهم الفاسدة، ثم بين أن هذا الظن لا حكم له * (وإن هم إلا يخرصون) * وذكرنا معنى الخرص في سورة الأنعام عند قوله: * (إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون) * (الأنعام: 16).
قوله تعالى * (هو الذى جعل لكم اليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن فى ذالك لآيات لقوم يسمعون) *.
اعلم أنه تعالى لما ذكر قوله: * (إن العزة لله جميعا) * احتج عليه بهذه الآية، والمعنى أنه تعالى جعل الليل ليزول التعب والكلال بالسكون فيه، وجعل النهار مبصرا أي مضيئا لتهتدوا به في حوائجكم بالأبصار، والمبصر الذي يبصر، والنهار يبصر فيه، وإنما جعله مبصرا على طريق نقل الاسم من السبب إلى المسبب.
فإن قيل: إن قوله: * (هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه) * يدل على أنه تعالى ما خلقه إلا لهذا الوجه، وقوله: * (إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون) * يدل على أنه تعالى أراد بتخليق الليل والنهار أنواعا كثيرة من الدلائل.
قلنا: إن قوله تعالى: * (لتسكنوا) * لا يدل على أنه لا حكمة فيه إلا ذلك، بل ذلك يقتضي حصول تلك الحكمة.