المسألة الثانية: اللقاء هو الوصول إلى الشيء، وهذا في حق الله تعالى محال، لكونه منزها عن الحد والنهاية، فوجب أن يجعل مجازا عن الرؤية، وهذا مجاز ظاهر. فإنه يقال: لقيت فلانا إذا رأيته، وحمله على لقاء ثواب الله يقتضي زيادة في الإضمار وهو خلاف الدليل.
واعلم أنه ثبت بالدلائل اليقينية أن سعادة النفس بعد الموت في أن تتجلى فيها معرفة الله تعالى ويكمل إشراقها ويقوي لمعانها، وذلك هو الرؤية، وهي من أعظم السعادات. فمن كان غافلا عن طلبها معرضا عنها مكتفيا بعد الموت بوجدان اللذات الحسية من الأكل والشرب والوقاع كان من الضالين.
الصفة الثانية: من صفات هؤلاء الكفار قوله تعالى: * (ورضوا بالحياة الدنيا) *.
واعلم أن الصفة الأولى إشارة إلى خلو قلبه عن طلب اللذات الروحانية، وفراغه عن طلب السعادات الحاصلة بالمعارف الربانية، وأما هذه الصفة الثانية فهي إشارة إلى استغراقه في طلب اللذات الجسمانية واكتفائه بها، واستغراقه في طلبها.
والصفة الثالثة: قوله تعالى: * (واطمأنوا بها) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: صفة السعداء أن يحصل لهم عند ذكر الله نوع من الوجل والخوف كما قال تعالى: * (الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم) * (الحج: 35) ثم إذا قويت هذه الحالة حصلت الطمأنينة في ذكر الله تعالى كما قال تعالى: * (وتطمئن قلوبهم بذكر الله إلا بذكر الله تطمئن القلوب) * (الرعد: 28) وصفة الأشقياء أن تحصل لهم الطمأنينة في حب الدنيا، وفي الاشتغال بطلب لذاتها كما قال في هذه الآية: * (واطمأنوا بها) * فحقيقة الطمأنينة أن يزول عن قلوبهم الوجل، فإذا سمعوا الإنذار والتخويف لم توجل قلوبهم وصارت كالميتة عند ذكر الله تعالى.
المسألة الثانية: مقتضى اللغة أن يقال: واطمأنوا إليها، إلا أن حروف الجر يحسن إقامة بعضها مقام البعض، فلهذا السبب قال: * (واطمأنوا بها) *.
والصفة الرابعة: قوله تعالى: * (والذين هم عن آياتنا غافلون) * والمراد أنهم صاروا في الإعراض عن طلب لقاء الله تعالى. بمنزلة الغافل عن الشيء الذي لا يخطر بباله طول عمره ذكر ذلك الشيء، وبالجملة فهذه الصفات الأربعة دالة على شدة بعده عن طلب الاستسعاد بالسعادات الأخروية الروحانية، وعلى شدة استغراقه في طلب هذه الخيرات الجسمانية والسعادات الدنيوية.
واعلم أنه تعالى لما وصفهم بهذه الصفات الأربعة قال: * (أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون) * وفيه مسألتان: