يقل بأنه يدفعه بل قال إنه لا راد لفضله، وذلك يدل على أن الخير مطلوب بالذات، وأن الشر مطلوب بالعرض كما قال النبي صلى الله عليه وسلم رواية عن رب العزة أنه قال: " سبقت رحمتي غضبي " الثاني: أنه تعالى قال في صفة الخير: * (يصيب به من يشاء من عباده) * وذلك يدل على أن جانب الخير والرحمة أقوى وأغلب. والثالث: أنه قال: * (وهو الغفور الرحيم) * وهذا أيضا يدل على قوة جانب الرحمة وحاصل الكلام في هذه الآية أنه سبحانه وتعالى بين أنه منفرد بالخلق والإيجاد والتكوين والإبداع، وأنه لا موجد سواه ولا معبود إلا إياه، ثم نبه على أن الخير مراد بالذات، والشر مراد بالعرض وتحت هذا الباب أسرار عميقة، فهذا ما نقوله في هذه الآية.
المسألة الثانية: قال المفسرون: إنه تعالى لما بين في الآية الأولى في صفة الأصنام أنها لا تضر ولا تنفع، بين في هذه الآية أنها لا تقدر أيضا على دفع الضرر الواصل من الغير، وعلى الخير الواصل من الغير. قال ابن عباس رضي الله عنهما: * (إن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو) * يعني بمرض وفقر فلا دافع له إلا هو.
وأما قوله: * (وإن يردك بخير) * فقال الواحدي: هو من المقلوب معناه وإن يرد بك الخير ولكنه لما تعلق كل واحد منهما بالآخر جاز إبدال كل واحد منهما بالآخر، وأقول التقديم في اللفظ يدل على زيادة العناية فقوله: * (وإن يردك بخير) * يدل على أن المقصود هو الإنسان وسائر الخيرات مخلوقة لأجله، فهذه الدقيقة لا تستفاد إلا من هذا التركيب.
قوله تعالى * (قل يا أيها الناس قد جآءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ومآ أنا عليكم بوكيل) *.
واعلم أنه تعالى لما قرر الدلائل المذكورة في التوحيد والنبوة والمعاد وزين آخر هذه السورة بهذه البيانات الدالة على كونه تعالى مستبدا بالخلق والإبداع والتكوين والاختراع، ختمها بهذه الخاتمة الشريفة العالية، وفي تفسيرها وجهان: الأول: أنه من حكم له في الأزل بالاهتداء، فسيقع له ذلك، ومن حكم له بالضلال فكذلك ولا حيلة في دفعه. الثاني: وهو الكلام اللائق بالمعتزلة قال القاضي: إنه تعالى بين أنه أكمل الشريعة وأزاح العلة وقطع المعذرة * (فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن