القدرة والداعي فظاهر أيضا، لأن القدرة لما كانت صالحة للطرفين لم يترجح أحد الجانبين على الآخر إلا لمرجح، وذلك المرجح من الله تعالى قطعا للتسلسل، وعند حصول هذا المجموع يجب الفعل، وقد احتج أصحابنا بهذه الآية على صحة قولهم في إثبات القضاء اللازم والقدر الواجب وهو حق وصدق ولا محيص عنه.
ثم قال تعالى: * (ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم) * والمراد أنهم لا يؤمنون البتة، ولو جاءتهم الدلائل التي لا حد لها ولا حصر، وذلك لأن الدليل لا يهدي إلا بإعانة الله تعالى فإذا لم تحصل تلك الإعانة ضاعت تلك الدلائل.
القصة الثالثة من القصص المذكورة في هذه السورة، قصة يونس عليه السلام قوله تعالى * (فلولا كانت قرية ءامنت فنفعهآ إيمانها إلا قوم يونس لمآ ءامنوا كشفنا عنهم عذاب الخزى فى الحيوة الدنيا ومتعناهم إلى حين) *.
اعلم أنه تعالى لما بين من قبل * (إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون * ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم) * (يونس: 96، 97) أتبعه بهذه الآية، لأنها دالة على أن قوم يونس آمنوا بعد كفرهم وانتفعوا بذلك الإيمان، وذلك يدل على أن الكفار فريقان: منهم من حكم عليه بخاتمة الكفر، ومنهم من حكم عليه بخاتمة الإيمان وكل ما قضى الله به فهو واقع. وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: في كلمة * (لولا) * في هذه الآية طريقان: الطريق الأول: أن معناه النفي، روى الواحدي في " البسيط " قال: قال أبو مالك صاحب ابن عباس كل ما في كتاب الله تعالى من ذكر لولا، فمعناه هلا، إلا حرفين، * (فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها) * معناه فما كانت قرية آمنت، فنفعها إيمانها، وكذلك * ( فلولا كان من القرون من قبلكم) * (هود: 116) معناه، فما كان من القرون، فعلى هذا تقدير الآية، فما كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس. وانتصب قوله: * (إلا قوم يونس) * على أنه استثناء منقطع عن الأول، لأن أول الكلام جرى على القرية، وإن كان المراد أهلها ووقع استثناء القول من القرية، فكان كقوله: