بالنسبة إلى إبصار الأشياء، وكما أن هذا ممتنع فكذلك ما نحن فيه. قالوا: والذي يقوي ذلك أن حصول العداوة القوية الشديدة، وكذلك حصول المحبة الشديدة في القلب ليس باختيار الإنسان، لأن عند حصول هذه العداوة الشديدة يجد وجدانا ضروريا أن القلب يصير كالأصم والأعمى في استماع كلام العدو وفي مطالعة أفعاله الحسنة، وإذا كان الأمر كذلك فقد حصل المطلوب، وأيضا لما حكم الله تعالى عليها حكما جازما بعدم الإيمان، فحينئذ يلزم من حصول الإيمان انقلاب علمه جهلا وخبره الصدق كذبا وذلك محال. وأما المعتزلة: فقد احتجوا على صحة قولهم بقوله تعالى: * (إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون) * وجه الاستدلال به، أنه يدل على أنه تعالى ما ألجأ أحدا إلى هذه القبائح والمنكرات، ولكنهم باختيار أنفسهم يقدمون عليها ويباشرونها.
أجاب الواحدي عنه فقال: إنه تعالى إنما نفى الظلم عن نفسه، لأنه يتصرف في ملك نفسه، ومن كان كذلك لم يكن ظالما، وإنما قال: * (ولكن الناس أنفسهم يظلمون) * لأن الفعل منسوب إليهم بسبب الكسب.
قوله تعالى * (ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقآء الله وما كانوا مهتدين * وإما نرينك بعض الذى نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون) *.
اعلم أنه تعالى لما وصف هؤلاء الكفار بقلة الإصغاء وترك التدبر أتبعه بالوعيد فقال: * (ويوم نحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ حفص عن عاصم * (يحشرهم) * بالياء والباقون بالنون.
المسألة الثانية: قوله: * (كأن لم يلبثوا) * في موضع الحال، أي مشابهين من لم يلبث إلا ساعة من النهار. وقوله: * (يتعارفون) * يجوز أن يكون متعلقا بيوم نحشرهم، ويجوز أن يكون حالا بعد حال.
المسألة الثالثة: * (كأن) * هذه هي المخففة من الثقيلة. التقدير: كأنهم لم يلبثوا، فخففت كقوله: وكأن قد.