السؤال الثالث: لم قال: * (وحاق) * على لفظ الماضي مع أن ذلك لم يقع؟
والجواب: قد مر في هذا الكتاب آيات كثيرة من هذا الجنس، والضابط فيها أنه تعالى أخبر عن أحوال القيامة بلفظ الماضي مبالغة في التأكيد والتقرير.
قوله تعالى * (ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليئوس كفور * ولئن أذقناه نعمآء بعد ضرآء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور * إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير) *.
اعلم أنه تعالى لما ذكر أن عذاب أولئك الكفار وإن تأخر إلا أنه لا بد وأن يحيق بهم، ذكر بعده ما يدل على كفرهم، وعلى كونهم مستحقين لذلك العذاب. فقال: * (ولئن أذقنا الإنسان) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: لفظ * (الإنسان) * في هذه الآية فيه قولان:
القول الأول: أن المراد منه مطلق الإنسان ويدل عليه وجوه: الأول: أنه تعالى استثنى منه قوله: * (إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات) * والاستثناء يخرج من الكلام ما لولاه لدخل، فثبت أن الإنسان المذكور في هذه الآية داخل فيه المؤمن والكافر، وذلك يدل على ما قلناه. الثاني: أن هذه الآية موافقة على هذا التقرير لقوله تعالى: * (والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * (العصر: 1 - 3) وموافقة أيضا لقوله تعالى: * (إن الإنسان خلق هلوعا * إذا مسه الشر جزوعا * وإذا مسه الخير منوعا) * (المعارج: 19 - 21) الثالث: أن مزاج الإنسان مجبول على الضعف والعجز. قال ابن جريج في تفسير هذه الآية يا ابن آدم إذا نزلت لك نعمة من الله فأنت كفور، فإذا نزعت منك فيؤوس قنوط.
والقول الثاني: أن المراد منه الكافر، ويدل عليه وجوه: الأول: ن الأصل في المفرد المحلى بالألف واللام أن يحمل على المعهود السابق لولا المانع، وههنا لا مانع فوجب حمله عليه