الشريعة مبنية على رؤية الأهلة، والسنة المعتبرة في الشريعة هي السنة القمرية، كما قال تعالى: * (إن عدة الشهور عند الله إثنا عشر شهرا في كتاب الله) * (التوبة: 36).
المسألة الثامنة: اعلم أن انتفاع الخلق بضوء الشمس وبنور القمر عظيم، فالشمس سلطان النهار والقمر سلطان الليل. وبحركة الشمس تنفصل السنة إلى الفصول الأربعة، وبالفصول الأربعة تنتظم مصالح هذا العالم. وبحركة القمر تحصل الشهور، وباختلاف حاله في زيادة الضوء ونقصانه تختلف أحوال رطوبات هذا العالم. وبسبب الحركة اليومية يحصل النهار والليل، فالنهار يكون زمانا للتكسب والطلب، والليل يكون زمانا للراحة، وقد استقصينا في منافع الشمس والقمر في تفسير الآيات اللائقة بها فيما سلف، وكل ذلك يدل على كثرة رحمة الله على الخلق وعظم عنايته بهم، فإنا قد دللنا على أن الأجسام متساوية. ومتى كان كذلك كان اختصاص كل جسم بشكله المعين ووضعه المعين، وحيزه المعين، وصفته المعينة، ليس إلا بتدبير مدبر حكيم رحيم قادر قاهر. وذلك يدل على أن جميع المنافع الحاصلة في هذا العالم بسبب حركات الأفلاك ومسير الشمس والقمر والكواكب، ما حصل إلا بتدبير المدبر المقدر الرحيم الحكيم سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا. ثم إنه تعالى لما قرر هذه الدلائل ختمها بقوله: * (ما خلق الله ذلك إلا بالحق) * ومعناه أنه تعالى خلقه على وفق الحكمة ومطابقة المصلحة، ونظيره قوله تعالى في آل عمران: * (ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك) * (آل عمران: 191) وقال في سورة أخرى: * (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا) * (ص: 27) وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قال القاضي: هذه الآية تدل على بطلان الجبر، لأنه تعالى لو كان مريدا لكل ظلم، وخالقا لكل قبيح، ومريدا لإضلال من ضل، لما صح أن يصف نفسه بأنه ما خلق ذلك إلا بالحق.
المسألة الثانية: قال حكماء الإسلام: هذا يدل على أنه سبحانه أودع في أجرام الأفلاك والكواكب خواص معينة وقوى مخصوصة، باعتبارها تنتظم مصالح هذا العالم السفلي. إذ لو لم يكن لها آثار وفوائد في هذا العالم، لكان خلقها عبثا وباطلا وغير مفيد، وهذه النصوص تنافي ذلك. والله أعلم.
ثم بين تعالى أنه يفصل الآيات، ومعنى التفصيل هو ذكر هذه الدلائل الباهرة، واحدا عقيب الآخر، فصلا فصلا مع الشرع والبيان. وفي قوله: * (نفصل) * قراءتان: قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص عن عاصم * (يفصل) * بالياء، وقرأ الباقون بالنون.