عن الاحتياط، فلهذا قال المفسرون معناه بحفظنا إياك حفظ من يراك ويملك دفع السوء عنك، وحاصل الكلام أن إقدامه على عمل السفينة مشروط بأمرين أحدهما: أن لا يمنعه أعداؤه عن ذلك العمل. والثاني: أن يكون عالما بأنه كيف ينبغي تأليف السفينة وتركيبها ودفع الشر عنه، وقوله: * (ووحينا) * إشارة إلى أنه تعالى يوحي إليه أنه كيف ينبغي عمل السفينة حتى يحصل منه المطلوب.
وأما قوله: * (ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم غرقون) * ففيه وجوه: الأول: يعني لا تطلب مني تأخير العذاب عنهم فإني قد حكمت عليهم بهذا الحكم، فلما علم نوح عليه السلام ذلك دعا عليهم بعد ذلك وقال: * (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) * (نوح: 26) الثاني: * (ولا تخاطبني) * في تعجيل ذلك العقاب على الذين ظلموا، فإني لما قضيت إنزال ذلك العذاب في وقت معين كان تعجيله ممتنعا، الثالث: المراد بالذين ظلموا امرأته وابنه كنعان.
قوله تعالى * (ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون * فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم) *.
أما قوله تعالى: * (ويصنع الفلك) * ففيه مسألتان:
المسألة الأولى: في قوله: * (ويصنع الفلك) * قولان: الأول: أنه حكاية حال ماضية أي في ذلك الوقت كان يصدق عليه أنه يصنع الفلك. الثاني: التقدير وأقبل يصنع الفلك فاقتصر على قوله: * (ويصنع الفلك) *.
المسألة الثانية: ذكروا في صفة السفينة أقوالا كثيرة: فأحدها: أن نوحا عليه السلام اتخذ السفينة في سنتين، وقيل في أربع سنين وكان طولها ثلثمائة ذراع وعرضها خمسون ذراعا وطولها في السماء ثلاثون ذراعا، وكانت من خشب الساج وجعل لها ثلاث بطون فحمل في البطن الأسفل الوحوش والسباع والهوام، وفي البطن الأوسط الدواب والأنعام، وفي البطن الأعلى جلس هو ومن كان معه مع ما احتاجوا إليه من الزاد، وحمل معه جسد آدم عليه السلام، وثانيها: قال الحسن