والإنجيل، مع أن محمدا عليه الصلاة والسلام ما كان عالما بالتوراة والإنجيل، فحصل هذه الموافقة لا يمكن إلا إذا خص الله تعالى محمدا بإنزال الوحي عليه. والثاني: وهو قول أبي مسلم: أن قوله: * (الر) * إشارة إلى حروف التهجي، فقوله: * (الر تلك آيات الكتاب) * يعني هذه الحروف هي الأشياء التي جعلت وعلامات لهذا الكتاب الذي آيات به وقع التحدي. فلولا امتياز هذا الكتاب عن كلام الناس بالوصف المعجز، وإلا لكان اختصاصه بهذا النظم، دون سائر الناس القادرين على التلفظ بهذه الحروف محالا.
المسألة الثانية: في وصف الكتاب بكونه حكيما وجوه: الأول: أن الحكيم هو ذو الحكمة بمعنى اشتمال الكتاب على الحكمة. الثاني: أن يكون المراد وصف الكلام بصفة من تكلم به. قال الأعشى: وغريبة تأتي الملوك حكيمة * قد قلتها ليقال من ذا قالها الثالث: قال الأكثرون * (الحكيم) * بمعنى الحاكم، فعيل بمعنى فاعل دليله قوله تعالى: * (وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس) * (البقرة: 213) فالقرآن كالحاكم في الاعتقادات لتميز حقها عن باطلها، وفي الأفعال لتميز صوابها عن خطئها، وكالحاكم على أن محمدا صادق في دعوى النبوة، لأن المعجزة الكبرى لرسولنا عليه الصلاة والسلام، ليست إلا القرآن الرابع: أن * (الحكيم) * بمعنى المحكم. والأحكام معناه المنع من الفساد، فيكون المراد منه أنه لا يمحوه الماء، ولا تحرقه النار، ولا تغيره الدهور. أو المراد منه براءته عن الكذب والتناقض. الخامس: قال الحسن: وصف الكتاب بالحكيم، لأنه تعالى حكم فيه بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، وحكم فيه بالجنة لمن أطاعه وبالنار لمن عصاه، فعلى هذا * (الحكيم) * يكون معناه المحكوم فيه. السادس: أن * (الحكيم) * في أصل اللغة: عبارة عن الذي يفعل الحكمة والصواب، فكان وصف القرآن به مجازا، ووجه المجاز هو أنه يدل على الحكمة والصواب، فمن حيث أنه يدل على هذه المعاني صار كأنه هو الحكيم في نفسه.
قوله تعالى * (أكان للناس عجبا أن أوحينآ إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين ءامنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم قال الكافرون إن هاذا لساحر مبين) *.