الوجه الأول: أنه تعالى قال قبل هذه الآية: * (وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها إن ربي لغفور رحيم) * (هود: 41) فبين أنه تعالى رحيم وأنه برحمته يخلص هؤلاء الذين ركبوا السفينة من آفة الغرق.
إذا عرفت هذا فنقول: إن ابن نوح عليه السلام لما قال: سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال نوح عليه السلام أخطأت * (لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم) * والمعنى: إلا ذلك الذي ذكرت أنه برحمته يخلص هؤلاء من الغرق فصار تقدير الآية: لا عاصم اليوم من عذاب الله إلا الله الرحيم وتقديره: لا فرار من الله إلا إلى الله، وهو نظير قوله عليه السلام في دعائه: " وأعوذ بك منك " وهذا تأويل في غاية الحسن.
الوجه الثاني: في التأويل وهو الذي ذكره صاحب " حل العقد " أن هذا الاستثناء وقع من مضمر هو في حكم الملفوظ لظهور دلالة اللفظ عليه، والتقدير: لا عاصم اليوم لأحد من أمر الله إلا من رحم وهو كقولك لا نضرب اليوم إلا زيدا، فإن تقديره لا تضرب أحدا إلا زيدا إلا أنه ترك التصريح به لدلالة اللفظ عليه فكذا ههنا.
الوجه الثالث: في التأويل أن قوله: * (لا عاصم) * أي لاذا عصمة كما قالوا: رامح ولابن ومعناه ذو رمح، وذو لبن وقال تعالى: * (من ماء دافق) * (الطارق: 6) و * (عيشة راضية) * (الحاقة: 21) ومعناه ما ذكرنا فكذا ههنا، وعلى هذا التقدير: العاصم هو ذو العصمة، فيدخل فيه المعصوم، وحينئذ يصح استثناء قوله: * (إلا من رحم) * منه.
الوجه الرابع: قوله: * (لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم) * عنى بقوله إلا من رحم نفسه، لأن نوحا وطائفته هم الذين خصهم الله تعالى برحمته، والمراد: لا عاصم لك إلا الله بمعنى أن بسببه تحصل رحمة الله، كما أضيف الإحياء إلى عيسى عليه السلام في قوله: * (وأحيي الموتى) * (آل عمران: 49) لأجل أن الإحياء حصل بدعائه.
الوجه الخامس: أن قوله: * (إلا من رحم) * استثناء منقطع، والمعنى لكن من رحم الله معصوم ونظيره قوله تعالى: * (ما لهم به من علم إلا اتباع الظن) * (النساء: 157) ثم إنه تعالى بين بقوله: * (وحال بينهم الموج) * أي بسبب هذه الحيلولة خرج من أن يخاطبه نوح * (فكان من المغرقين) *.
قوله تعالى * (وقيل يا أرض ابلعى مآءك ويا سمآء أقلعى وغيض المآء وقضى الامر واستوت