الثواب إلى المطيع والعقاب إلى العاصي، وقد سبق الاستقصاء في تقرير هذا الدليل، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قال الكعبي: اللام في قوله تعالى: * (ليجزي الذين آمنوا) * يدل على أنه تعالى خلق العباد للثواب والرحمة. وأيضا فإنه أدخل لام التعليل على الثواب. وأما العقاب فما أدخل فيه لام التعليل، بل قال: * (والذين كفروا لهم شراب من حميم) * وذلك يدل على أنه خلق الخلق للرحمة لا للعذاب، وذلك يدل على أنه ما أراد منهم الكفر، وما خلق فيهم الكفر البتة.
والجواب: أن لام التعليل في أفعال الله تعالى محال، لأنه تعالى لو فعل فعلا لعلة لكانت تلك العلة، إن كانت قديمة لزم قدم الفعل، وإن كانت حادثة لزم التسلسل وهو محال.
المسألة الثانية: قال الكعبي أيضا: هذه الآية تدل على أنه لا يجوز من الله تعالى أن يبدأ خلقهم في الجنة، لأنه لو حسن إيصال تلك النعم إليهم من غير واسطة خلقهم في هذا العالم ومن غير واسطة تكليفهم، لما كان خلقهم وتكليفهم معللا بإيصال تلك النعم إليهم، وظاهر الآية يدل على ذلك.
والجواب: هذا بناء على صحة تعليل أحكام الله تعالى وهو باطل، سلمنا صحته. إلا أن كلامه إنما يصح لو عللنا بدء الخلق وإعادته بهذا المعنى وذلك ممنوع. فلم لا يجوز أن يقال: إنه يبدأ الخلق لمحض التفضل، ثم إنه تعالى يعيدهم لغرض إيصال نعم الجنة إليهم؟ وعلى هذا التقدير: سقط كلامه. أما قوله تعالى: * (بالقسط) * ففيه وجهان:
الوجه الأول: * (بالقسط) * بالعدل، وهو يتعلق بقوله: * (ليجزي) * والمعنى: ليجزيهم بقسطه، وفيه سؤالان.
السؤال الأول: أن القسط إذا كان مفسرا بالعدل، فالعدل هو الذي يكون لا زائدا ولا ناقصا، وذلك يقتضي أنه تعالى لا يزيدهم على ما يستحقونه بأعمالهم، ولا يعطيهم شيئا على سبيل التفضل ابتداء.
والجواب: عندنا أن الثواب أيضا محض التفضل. وأيضا فبتقدير أن يساعد على حصول الاستحقاق، إلا أن لفظ * (القسط) * يدل على توفية الأجر، فأما المنع من الزيادة فلفظ * (القسط) * لا يدل عليه.
السؤال الثاني: لم خص المؤمنين بالقسط مع أنه تعالى يجازي الكافرين أيضا بالقسط؟
والجواب: أن تخصيص المؤمنين بذلك يدل على مزيد العناية في حقهم، وعلى كونهم مخصوصين بمزيد هذا الاحتياط.