من المؤمن، والأكثرون على القول الأول، وهو إلى الحقيقة أقرب، ثم إنه تعالى لما ذكر هذا التفصيل ذكر بعده كلاما كليا، وهو قوله: * (ومن يدبر الأمر) * وذلك لأن أقسام تدبير الله تعالى في العالم العلوي وفي العالم السفلي وفي عالمي الأرواح والأجساد أمور لا نهاية لها، وذكر كلها كالمتعذر، فلما ذكر بعض تلك التفاصيل لا جرم عقبها بالكلام الكلي ليدل على الباقي ثم بين تعالى أن الرسول عليه السلام، إذا سألهم عن مدبر هذه الأحوال فسيقولون إنه الله سبحانه وتعالى، وهذا يدل على أن المخاطبين بهذا الكلام كانوا يعرفون الله ويقرون به، وهم الذين قالوا في عبادتهم للأصنام إنها تقربنا إلى الله زلفى وإنهم شفعاؤنا عند الله وكانوا يعلمون أن هذه الأصنام لا تنفع ولا تضر، فعند ذلك قال لرسوله عليه السلام: * (فقل أفلا تتقون) * يعني أفلا تتقون أن تجعلوا هذه الأوثان شركاء لله في المعبودية، مع اعترافكم بأن كل الخيرات في الدنيا والآخرة إنما تحصل من رحمة الله وإحسانه، واعترافكم بأن هذه الأوثان لا تنفع ولا تضر البتة.
ثم قال تعالى: * (فذلكم الله ربكم) * ومعناه أن من هذه قدرته ورحمته هو * (ربكم الحق) * الثابت ربوبيته ثباتا لا ريب فيه، وإذا ثبت أن هذا هو الحق، وجب أن يكون ما سواه ضلالا، لأن النقيضين يمتنع أن يكونا حقين وأن يكونا باطلين، فإذا كان أحدهما حقا وجب أن يكون ما سواه باطلا.
ثم قال: * (فأنى تصرفون) * والمعنى أنكم لما عرفتم هذا الأمر الواضح الظاهر * (فأنى تصرفون) * وكيف تستجيزون العدول عن هذا الحق الظاهر، واعلم أن الجبائي قد استدل بهذه الآية وقال: هذا يدل على بطلان قول المجبرة أنه تعالى يصرف الكفار عن الإيمان، لأنه لو كان كذلك لما جاز أن يقول: * (فأنى تصرفون) * كما لا يقول إذا أعمى بصر أحدهم إني عميت، واعلم أن الجواب عنه سيأتي عن قريب.
أما قوله: * (كذلك حقت كلمت ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: احتج أصحابنا بهذه الآية على أن الكفر بقضاء الله تعالى وإرادته، وتقريره أنه تعالى أخبر عنهم خبرا جزما قطعا أنهم لا يؤمنون، فلو آمنوا لكان إما أن يبقى ذلك الخبر صدقا أو لا يبقى، والأول باطل، لأن الخبر بأنه لا يؤمن يمتنع أن يبقى صدقا حال ما يوجد الإيمان منه والثاني أيضا باطل، لأن انقلاب خبر الله تعالى كذبا محال فثبت أن صدور الإيمان منهم محال. والمحال لا يكون مرادا، فثبت أنه تعالى ما أراد الإيمان من هذا الكافر وأنه أراد الكفر منه، ثم نقول: إن كان قوله: * (فأنى تصرفون) * يدل على صحة مذهب القدرية، فهذه الآية الموضوعة بجنبه