قوله تعالى * (إن الذين لا يرجون لقآءنا ورضوا بالحيواة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن ءاياتنا غافلون * أولائك مأواهم النار بما كانوا يكسبون) *.
اعلم أنه تعالى لما أقام الدلائل القاهرة على صحة القول بإثبات الإله الرحيم الحكيم، وعلى صحة القول بالمعاد والحشر والنشر، شرع بعده في شرح أحوال من يكفر بها، وفي شرح أحوال من يؤمن بها. فأما شرح أحوال الكافرين فهو المذكور في هذه الآية. واعلم أنه تعالى وصفهم بصفات أربعة:
الصفة الأولى: قوله: * (إن الذين لا يرجون لقاءنا) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في تفسير هذا الرجاء قولان:
القول الأول: وهو قول ابن عباس ومقاتل والكلبي: معناه: لا يخافون البعث، والمعنى: أنهم لا يخافون ذلك لأنهم لا يؤمنون بها. والدليل على تفسير الرجاء ههنا بالخوف قوله تعالى: * (إنما أنت منذر من يخشاها) * (النازعات: 45) وقوله: * (وهم من الساعة مشفقون) * (الأنبياء: 49) وتفسير الرجاء بالخوف جائز كما قال تعالى: * (ما لكم لا ترجون لله وقارا) * (نوح: 13) قال الهذلي: إذا لسعته النحل لم يرج لسعها والقول الثاني: تفسير الرجاء بالطمع، فقوله: * (لا يرجون لقاءنا) * أي لا يطمعون في ثوابنا، فيكون هذا الرجاء هو الذي ضده اليأس، كما قال: * (قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار) *.
واعلم أن حمل الرجاء على الخوف بعيد، لأن تفسير الضد بالضد غير جائز، ولا مانع ههنا من حمل الرجاء على ظاهره البتة، والدليل عليه أن لقاء الله إما أن يكون المراد منه تجلي جلال الله تعالى للعبد وإشراق نور كبريائه في روحه، وإما أن يكون المراد منه الوصول إلى ثواب الله تعالى وإلى رحمته. فإن كان الأول فهو أعظم الدرجات وأشرف السعادات وأكمل الخيرات، فالعاقل كيف لا يرجوه، وكيف لا يتمناه؟ وإن كان الثاني فكذلك، لأن كل أحد يرجو من الله تعالى أن يوصله إلى ثوابه ومقامات رحمته، وإذا كان كذلك فكل من آمن بالله فهو يرجو ثوابه، وكل من لم يؤمن بالله ولا بالمعاد فقد أبطل على نفسه هذا الرجاء، فلا جرم حسن جعل عدم هذا الرجاء كناية عن عدم الإيمان بالله واليوم الآخر.