واعلم أنه تعالى حكى عن هؤلاء الكفار شيئين: الأول: أنه يثنون صدورهم يقال: ثنيت الشيء إذا عطفته وطويته، وفي الآية وجهان:
الوجه الأول: روي أن طائفة من المشركين قالوا: إذا أغلقنا أبوابنا وأرسلنا ستورنا، واستغشينا ثيابنا وثنينا صدورنا على عداوة محمد، فكيف يعلم بنا؟ وعلى هذا التقدير: كان قوله: * (يثنون صدورهم) * كناية عن النفاق، فكأنه قيل: يضمرون خلاف ما يظهرون ليستخفوا من الله تعالى، ثم نبه بقوله: * (ألا حين يستغشون ثيابهم) * على أنهم يستخفون منه حين يستغشون ثيابهم.
الوجه الثاني: روي أن بعض الكفار كان إذا مر به رسول الله ثنى صدره وولى ظهره واستغشى ثيابه، والتقدير كأنه قيل: إنهم يتصرفون عنه ليستخفوا منه حين يستغشون ثيابهم، لئلا يسمعوا كلام رسول الله وما يتلو من القرآن، وليقولوا في أنفسهم ما يشتهون من الطعن. وقوله: * (ألا) * للتنبيه، فنبه أولا على أنهم ينصرفوا عنه ليستخفوا ثم كرر كلمة * (ألا) * للتنبيه على ذكر الاستخفاء لينبه على وقت استخفائهم، وهو حين يستغشون ثيابهم، كأنه قيل: ألا إنهم ينصرفون عنه ليستخفوا من الله، ألا إنهم يستخفون حين يستغشون ثيابهم. ثم ذكر أنه لا فائدة لهم في استخفائهم بقوله: * (يعلم ما يسرون وما يعلنون) *.
قوله تعالى * (وما من دآبة في الارض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل فى كتاب مبين) *.
اعلم أنه تعالى لما ذكر في الآية الأولى أنه * (يعلم ما يسرون وما يعلنون) * أردفه بما يدل على كونه تعالى عالما بجميع المعلومات، فثبت أن رزق كل حيوان إنما يصل إليه من الله تعالى، فلو لم يكن عالما بجميع المعلومات لما حصلت هذه المهمات، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قال الزجاج: الدابة اسم لكل حيوان، لأن الدابة اسم مأخوذ من الدبيب، وبنيت هذه اللفظة على هاء التأنيث، وأطلق على كل حيوان ذي روح ذكرا كان أو أنثى، إلا أنه بحسب عرف العرب اختص بالفرس، والمراد بهذا اللفظ في هذه الآية الموضوع الأصلي اللغوي فيدخل فيه جميع الحيوانات، وهذا متفق عليه بين المفسرين، ولا شك أن أقسام الحيوانات