فقد ظهر أن قوله: * (ولا أقول إني ملك) * يدل على أنهم أكمل من البشر، وأيضا يمكن جعل هذا الكلام جوابا عما ذكروه من الشبهة فإنهم طعنوا في أتباعه بالفقر فقال: * (ولا أقول لكم عندي خزائن الله) * حتى أجعلهم أغنياء وطعنوا فيهم أيضا بأنهم منافقون فقال: * (ولا أعلم الغيب) * حتى أعرف كيفية باطنهم وإنما أجري الأحوال على الظواهر وطعنوا فيهم بأنهم قد يأتون بأفعال لا كما ينبغي فقال: * (ولا أقول إني ملك) * حتى أكون مبرأ عن جميع الدواعي الشهوانية والبواعث النفسانية.
المسألة الثالثة: احتج قوم بهذه الآية على صدور الذنب من الأنبياء فقالوا: إن هذه الآية دلت على أن طرد المؤمنين لطلب مرضاة الكفار من أصول المعاصي، ثم إن محمدا صلى الله عليه وسلم طرد فقراء المؤمنين لطلب مرضاة الكفار حتى عاتبه الله تعالى في قوله: * (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه) * (الأنعام: 52) وذلك يدل على إقدام محمد صلى الله عليه وسلم على الذنب.
والجواب: يحمل الطرد المذكور في هذه الآية على الطرد المطلق على سبيل التأبيد، والطرد المذكور في واقعة محمد صلى الله عليه وسلم، على التقليل في أوقات معينة لرعاية المصالح.
المسألة الرابعة: احتج الجبائي على أنه لا تجوز الشفاعة عند الله في دفع العقاب بقول نوح عليه السلام * (من ينصرني من الله إن طردتهم) * معناه إن كان هذا الطرد محرما فمن ذا الذي ينصرني من الله، أي من الذي يخلصني من عقابه ولو كانت الشفاعة جائزة لكانت في حق نوح عليه السلام أيضا جائزة وحينئذ يبطل قوله: * (من ينصرني من الله) * واعلم أن هذا الاستدلال يشبه استدلالهم في هذه المسألة بقوله تعالى: * (واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا) * إلى قوله: * (ولا ينصرون) * (البقرة: 48) والجواب المذكور هناك هو الجواب عن هذا الكلام.
قوله تعالى * (قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنآ إن كنت من الصادقين * قال إنما يأتيكم به لله إن شآء ومآ أنتم بمعجزين * ولا ينفعكم نصحى إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله