الذوات في أنفسها، مع قطع النظر عن تلك الصفات، متساوية في تمام الماهية، وإذا كان الأمر كذلك، فكل ما يصح على جسم، وجب أن يصح على كل جسم، وذلك هو المطلوب.
وأما القسم الثاني: وهو أن يقال: إن الذي به خالف بعض الأجسام بعضا، أمور موصوفة بالجسمية والتحيز والمقدار. فنقول: هذا أيضا باطل. لأن ذلك الموصوف، إما أن يكون حجما ومتحيزا أو لا يكون، والأول باطل، وإلا لزم افتقاره إلى محل آخر، ويستمر ذلك إلى غير النهاية. وأيضا فعلى هذا التقدير يكون المحل مثلا للحال، ولم يكن كون أحدهما محلا والآخر حالا، أولى من العكس، فيلزم كون كل واحد منهما محلا للآخر وحالا فيه، وذلك محال، وأما إن كان ذلك المحل غير متحيز، وله حجم. فنقول: مثل هذا الشيء لا يكون له اختصاص بحيز ولا تعلق بجهة والجسم مختص بالحيز، وحاصل في الجهة، والشيء الذي يكون واجب الحصول في الحيز والجهة، يمتنع أن يكون حالا في الشيء الذي يمتنع حصوله في الحيز والجهة.
وأما القسم الثالث: وهو أن يقال: ما به خالف جسم جسما، لا حال في الجسم ولا محل له، فهذا أيضا باطل، لأن على هذا التقدير يكون ذلك الشيء شيئا مباينا عن الجسم لا تعلق له به، فحينئذ تكون ذوات الأجسام من حيث ذواتها متساوية في تمام الماهية، وذلك هو المطلوب، فثبت أن الأجسام بأسرها متساوية في تمام الماهية.
وإذا ثبت هذا فنقول: الأشياء المتساوية في تمام الماهية تكون متساوية في جميع لوازم الماهية، فكل ما صح على بعضها وجب أن يصح على الباقي، فلما صح على جرم الشمس اختصاصه بالضوء القاهر الباهر، وجب أن يصح مثل ذلك الضوء القاهر على جرم القمر أيضا، وبالعكس. وإذا كان كذلك، وجب أن يكون اختصاص جرم الشمس بضوئه القاهر، واختصاص القمر بنوره الضعيف بتخصيص مخصص وإيجاد موجد. وتقدير مقدر وذلك هو المطلوب، فثبت أن اختصاص الشمس بذلك الضوء بجعل جاعل، وأن اختصاص القمر بذلك النوع من النور بجعل جاعل، فثبت بالدليل القاطع صحة قوله سبحانه وتعالى: * (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا) * وهو المطلوب.
المسألة الثالثة: قال أبو علي الفارسي: الضياء لا يخلو من أحد أمرين إما أن يكون جمع ضوء كسوط وسياط وحوض وحياض، أو مصدر ضاء يضوء ضياء كقولك قام قياما، وصام صياما، وعلى أي الوجهين حملته، فالمضاف محذوف، والمعنى جعل الشمس ذات ضياء، والقمر ذا نور، ويجوز أن يكون من غير ذلك لأنه لما عظم الضوء والنور فيهما جعلا نفس الضياء والنور كما يقال للرجل الكريم أنه كرم وجود.