ثم قال: * (أن لا تعبدوا إلا الله) * فقوله: * (أن لا تعبدوا إلا الله) * بدل من قوله: * (إني لكم نذير) * ثم إنه أكد ذلك بقوله: * (إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) * والمعنى أنه لما حصل الألم العظيم في ذلك اليوم أسند ذلك الألم إلى اليوم، كقولهم نهارك صائم، وليلك قائم.
قوله تعالى * (فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادى الرأى وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين) *.
اعلم أنه تعالى لما حكى عن نوح عليه السلام أنه دعا قومه إلى عبادة الله تعالى حكى عنهم أنهم طعنوا في نبوته بثلاثة أنوع من الشبهات.
فالشبهة الأولى: أنه بشر مثلهم، والتفاوت الحاصل بين آحاد البشر يمتنع انتهاؤه إلى حيث يصير الواحد منهم واجب الطاعة لجميع العالمين.
والشبهة الثانية: كونه ما أتبعه إلا أراذل من القوم كالحياكة وأهل الصنائع الخسيسة، قالوا ولو كنت صادقا لاتبعك الأكياس من الناس والأشراف منهم، ونظيره قوله تعالى في سورة الشعراء * (أنؤمن لك واتبعك الأرذلون) * (الشعراء: 111).
والشبهة الثالثة: قوله تعالى: * (وما نرى لكم علينا من فضل) * والمعنى: لا نرى لكم علينا من فضل لا في العقل ولا في رعاية المصالح العاجلة ولا في قوة الجدل فإذا لم نشاهد فضلك علينا في شيء من هذه الأحوال الظاهرة فكيف نعترف بفضلك علينا في أشرف الدرجات وأعلى المقامات، فهذا خلاصة الكلام في تقرير هذه الشبهات.
واعلم أن الشبهة الأولى لا تليق إلا بالبراهمة الذين ينكرون نبوة البشر على الإطلاق، أما الشبهتان الباقيتان فيمكن أن يتمسك بهما من أقر بنبوة سائر الأنبياء، وفي لفظ الآية مسائل:
المسألة الأولى: الملأ الأشراف وفي اشتقاقه وجوه: الأول: أنه مأخوذ من قولهم مليء بكذا إذا كان مطيقا له وقد ملؤا بالأمر، والسبب في إطلاق هذا اللفظ عليهم أنهم ملؤا بترتيب المهمات