وأما قوله تعالى: * (هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون) * ففيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: أنه تعالى أينما ذكر العقاب والعذاب ذكر هذه العلة كأن سائلا يسأل وهو يقول: يا رب العزة أنت الغني عن الكل فكيف يليق برحمتك هذا التشديد والوعيد، فهو تعالى يقول: " أنا ما عالمته بهذه المعاملة ابتداء بل هذا وصل إليه جزاء على عمله الباطل " وذلك يدل على أن جانب الرحمة راجح غالب، وجانب العذاب مرجوح مغلوب.
المسألة الثانية: ظاهر الآية يدل على أن الجزاء يوجب العمل، أما عند الفلاسفة فهو أثر العمل، لأن العمل الصالح يوجب تنوير القلب، وإشراقه إيجاب العلة معلولها وأما عند المعتزلة فلأن العمل الصالح يوجب استحقاق الثواب على الله تعالى وأما عند أهل السنة، فلأن ذلك الجزاء واجب بحكم الوعد المحض.
المسألة الثالثة: الآية تدل على كون العبد مكتسبا خلافا للجبرية، وعندنا أن كونه مكتسبا معناه أن مجموع القدرة مع الداعية الخالصة يوجب الفعل والمسألة الطويلة معروفة بدلائلها.
قوله تعالى * (ويستنبئونك أحق هو قل إى وربى إنه الحق ومآ أنتم بمعجزين * ولو أن لكل نفس ظلمت ما فى الارض لافتدت به وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وقضى بينهم بالقسط وهم لا يظلمون) *.
اعلم أنه سبحانه أخبر عن الكفار بقوله: * (ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين) *.
وأجاب عنه بما تقدم فحكى عنهم أنهم رجعوا إلى الرسول مرة أخرى في عين هذه الواقعة وسألوه عن ذلك السؤال مرة أخرى وقالوا: أحق هو واعلم أن هذا السؤال جهل محض من وجوه: أولها: أنه قد تقدم هذا السؤال مع الجواب فلا يكون في الإعادة فائدة. وثانيها: أنه تقدم ذكر الدلالة العقلية على كون محمد رسولا من عند الله، وهو بيان كون القرآن معجزا، وإذا صحت نبوته لزم القطع بصحة كل ما يخبر عن وقوعه، فهذه المعاني توجب الإعراض عنهم،