ذلك الرأي وما أعطوه حقه من الفكر الصائب والتدبر الوافي. الثالث: أنهم لما وصفوا القوم بالرذالة قالوا: كونهم كذلك بادي الرأي أمر ظاهر لكل من يراهم، والرأي على هذا المعنى من رأي العين لا من رأي القلب ويتأكد هذا التأويل بما نقل عن مجاهد أنه كان يقرأ * (إلا الذين هم أراذلنا بادي رأي العين) *.
المسألة الثالثة: قرأ أبو عمرو ونصير عن الكسائي * (بادئ) * بالهمزة والباقون بالياء غير مهموز فمن قرأ * (بادئ) * بالهمزة فالمعنى أول الرأي وابتداؤه ومن قرأ بالياء غير مهموز كان من بدا يبدو أي ظهر و * (بادي) * نصب على المصدر كقولك: ضربت أول الضرب.
قوله تعالى * (قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربى وءاتانى رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون) *.
في الآية مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أنه تعالى لما حكى شبهات منكري نبوة نوح عليه الصلاة والسلام حكى بعده ما يكون جوابا عن تلك الشبهات.
فالشبهة الأولى: قولهم: * (ما أنت إلا بشر مثلنا) * فقال نوح حصول المساواة في البشرية لا يمنع من حصول المفارقة في صفة النبوة والرسالة، ثم ذكر الطريق الدال على إمكانه، فقال: * (أرأيتم إن كنت على بينة من ربي) * من معرفة ذات الله وصفاته وما يجب وما يمتنع وما يجوز عليه، ثم إنه تعالى أتاني رحمة من عنده، والمراد بتلك الرحمة إما النبوة وإما المعجزة الدالة على النبوة * (فعميت عليكم) * أي صارت مظنة مشتبهة ملتبسة في عقولكم، فهل أقدر على أن أجعلكم بحيث تصلون إلى معرفتها شئتم أم أبيتم؟ والمراد أني لا أقدر على ذلك البتة، وعن قتادة: والله لو استطاع نبي الله لألزمها ولكنه لم يقدر عليه، وحاصل الكلام أنهم لما قالوا: * (وما نرى لكم علينا من فضل) * (هود: 27) ذكر نوح عليه السلام أن ذلك بسبب أن الحجة عميت عليكم واشتبهت، فأما لو تركتم العناد واللجاج ونظرتم في الدليل لظهر المقصود، وتبين أن الله تعالى آتانا عليكم فضلا عظيما.
المسألة الثانية: قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم * (فعميت عليكم) * بضم العين وتشديد