الوجه الرابع في الجواب: هب أن النص يعم المؤمن والكافر، ولكن قوله * (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * (النساء: 48) أخص منه والخاص مقدم على العام، ولأن إلحاق التأويل بعمومات الوعيد أولى من إلحاقه بعمومات الوعد لأن الوفاء بالوعد كرم، وإهمال الوعيد وحمله على التأويل بالتعريض جود وإحسان.
المسألة الثانية: دلت الآية على أن الكفار مخاطبون بفروع الشرائع لأن قوله * (من يعمل سوءا) * يتناول جميع المحرمات، فدخل فيه ما صدر عن الكفار مما هو محرم في دين الإسلام ثم قوله * (يجز به) * يدل على وصول جزاء كل ذلك إليهم.
فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون ذلك الجزاء عبارة عما يصل إليهم من الهموم والغموم في الدنيا. قلنا: إنه لا بد وأن يصل جزاء أعمالهم الحسنة إليهم في الدنيا إذ لا سبيل إلى إيصال ذلك الجزاء إليهم في الآخرة، وإذا كان كذلك فهذا يقتضي أن يكون نعمتهم في الدنيا أكثر ولذاتهم ههنا أكمل، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: " الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر " وإذا كان كذلك امتنع أن يقال: إن جزاء أفعالهم المحظورة تصل إليهم في الدنيا، فوجب القول بوصول ذلك الجزاء إليهم في الآخرة. المسألة الثالثة: قالت المعتزلة: دلت الآية على أن العبد فاعل، ودلت أيضا على أنه بعمل السوء يستحق الجزاء، وإذا دلت الآية على مجموع هذين الأمرين فقد دلت على أن الله غير خالق لأفعال العباد، وذلك من وجهين: أحدهما: أنه لما كان عملا للعبد امتنع كونه عملا لله تعالى لاستحالة حصول مقدور واحد بقادرين، والثاني: أنه لو حصل بخلق الله تعالى لما استحق العبد عليه جزاء البتة وذلك باطل، لأن الآية دالة على أن العبد يستحق الجزاء على عمله، وأعلم أن الكلام على هذا النوع من الاستدلال مكرر في هذا الكتاب.
ثم قال تعالى: * (ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا) *.
قالت المعتزلة: دلت الآية على نفي الشفاعة، والجواب من وجهين: الأول: أنا قلنا أنا هذه الآية في حق الكفار. والثاني: أن شفاعة الأنبياء والملائكة في حق العصاة إنما تكون بإذن الله تعالى، وإذا كان كذلك فلا ولي لأحد ولا نصير لأحد إلا الله سبحانه وتعالى