موصوفا بذلك. والأصل الثاني: وهو أن أهل السنة يقولون: الاضلال عبارة عن خلق الكفر والضلال وقلنا: ليس الإضلال عبارة عن خلق الكفر والضلال بدليل أن إبليس وصف نفسه بأنه مضل مع أنه بالإجماع لا يقدر على خلق الضلال.
والجواب: أن هذا كلام إبليس فلا يكون حجة، وأيضا أن كلام إبليس في هذه المسألة مضطرب جدا، فتارة يميل إلى القدر المحض، وهو قوله * (لأغوينهم أجمعين) * وأخرى إلى الجبر المحض وهو قوله * (رب بما أغويتني) * (القصص: 39) وتارة يظهر التردد فيه حيث قال: * (ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا) * (القصص: 63) يعني أن قول هؤلاء الكفار: نحن أغوينا فمن الذي أغوانا عن الدين؟ ولا بد من انتهاء الكل بالآخرة إلى الله. وثالثها: قوله * (ولأمنينهم) * واعلم أنه لما ادعى أنه يضل الخلق قال * (ولأمنينهم) * وهذا يشعر بأنه لا حيلة له في الاضلال أقوى من إلقاء الأماني في قلوب الخلق، وطلب الأماني يورث شيئين: الحرص والأمل، والحرص والأمل يستلزمان أكثر الأخلاق الذميمة، وهما كالأمرين اللازمين لجوهر الإنسان قال صلى الله عليه وسلم: " يهرم ابن آدم ويشب معه اثنان الحرص والأمل " والحرص يستلزم ركوب أهوال الدنيا وأهوال الدين فإنه إذا اشتد حرصه على الشيء فقد لا يقدر على تحصيله إلا بمعصية الله وإيذاء الخلق، وإذا طال أمله نسي الآخرة وصار غريقا في الدنيا فلا يكاد يقدم على التوبة، ولا يكاد يؤثر فيه الوعظ فيصير قلبه كالحجارة أو أشد قسوة. ورابعها: قوله * (ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام) * البتك القطع، وسيف باتك أي قاطع، والتبتيك التقطيع.
قال الواحدي رحمه الله: التبتيك ههنا هو قطع آذان البحيرة بإجماع المفسرين، وذلك أنهم كانوا يشقون آذان الناقة إذا ولدت خمسة أبطن وجاء الخامس ذكرا، وحرموا على أنفسهم الانتفاع بها.
وقال آخرون: المراد أنهم يقطعون آذان الأنعام نسكا في عبادة الأوثان فهم يظنون أن ذلك عبادة مع أنه في نفسه كفر وفسق.
خامسها: قوله * (ولآمرنهم فليغيرن خلق الله) * وللمفسرين ههنا: قولان: الأول: أن المراد من تغيير خلق الله تغيير دين الله، وهو قول سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب والحسن والضحاك ومجاهد والسدي والنخعي وقتادة، وفي تقرير هذا القول وجهان: الأول: أن الله تعالى فطر الخلق على الإسلام يوم أخرجهم من ظهر آدم كالذر وأشهدهم على أنفسهم أنه ربهم وآمنوا به، فمن كفر فقد غير فطرة الله التي فطر الناس عليها، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: " كل مولود يولد على الفطرة " ولكن أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه. والوجه الثاني: في تقرير هذا القول: أن المراد من تغيير دين الله هو تبديل الحلال حراما