وصلب، ومن اقتصر على أخذ المال قطع يده ورجله من خلاف. ومن أخاف السبل ولم يأخذ المال نفي من الأرض، وهذا قول الأكثرين من العلماء، وهو مذهب الشافعي رحمه الله، والذي يدل على ضعف القول الأول وجهان: الأول: أنه لو كان المراد من الآية التخيير لوجب أن يمكن الإمام من الاقتصار على النفي، ولما أجمعوا على أنه ليس له ذلك علمنا أنه ليس المراد من الآية التخيير، والثاني: أن هذا المحارب إذا لم يقتل ولم يأخذ المال فقد هم بالمعصية ولم يفعل، وذلك لا يوجب القتل كالعزم على سائر المعاصي، فثبت أنه لا يجوز حمل الآية على التخيير، فيجب أن يضمر في كل فعل على حدة فعلا على حدة، فصار التقدير: أن يقتلوا أن قتلوا، أو يصلبوا إن جمعوا بين أخذ المال والقتل، أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف إن اقتصروا على أخذ المال أو ينفوا ممن الأرض إن أخافوا السبل، والقياس الجلي أيضا يدل على صحة ما ذكرناه لأن القتل العمد العدوان يوجب القتل، فغلظ ذلك في قاطع الطريق، وصار القتل حتما لا يجوز العفو عنه، وأخذ المال يتعلق به القطع في غير قاطع الطريق، فغلظ ذلك في قاطع الطريق بقطع الطرفين، وإن جمعوا بين القتل وبين أخد المال جمع في حقهم بين القتل وبني الصلب، لأن بقاءه مصلوبا في ممر الطريق يكون سببا لاشتهار إيقاع هذه العقوبة، فيصير ذلك زاجرا لغيره عن الاقدام على مثل هذه المعصية، وأما إن اقتصر على مجرد الإخافة اقتصر الشرع منه على عقوبة خفيفة وهي النفي من الأرض.
المسألة الخامسة: قال أبو حنيفة رحمه الله: إذا قتل وأخذ المال فالإمام مخير فيه بين ثلاثة أشياء. أن يقتلهم فقط، أو يقتلهم ويقطع أيديهم وأرجلهم قبل القتل، أو يقتلهم ويصلبهم، وعند الشافعي رحمه الله: لا بد من الصلب، وهو قول أبي يوسف رحمه الله. حجة الشافعي رحمه الله: أنه تعالى نص على الصلب كما نص على القتل فلم يجز إسقاط الصلب كما لم يجز إسقاط القتل. ثم اختلفوا في كيفية الصلب، فقيل: يصلب حيا ثم بطنه برمح حتى يموت، وقال الشافعي رحمه الله: يقتل ويصلى عليه ثم يصلب.
المسألة السادسة: اختلفوا في تفسير النفي من الأرض. قال الشافعي رحمه الله: معناه إن وجد هؤلاء المحاربين قتلهم وصلبهم وقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإن لم يجدهم طلبهم أبدا حتى إذا قدر عليهم فعل بهم ما ذكرناه، وبه قال أحمد وإسحاق رحمهما الله. وقال أبو حنيفة رحمه الله: النفي من الأرض هو الحبس، وهو اختيار أكثر أهل اللغة، قالوا: ويدل عليه أن قوله * (أو ينفوا من الأرض) * إما أن يكون المراد النفي من جميع الأرض، وذلك غير ممكن مع بقاء الحياة، وإما أن يكون إخراجه من تلك البلدة إلى بلدة أخرى، وهو أيضا غير جائز؛ لأن الغرض من هذا النفي دفع شره