الفقهاء، قالوا: والذي يدل على أنه لا يجوز حمل الآية على المرتدين وجوه: أحدها: أن قطع المرتد لا يتوقف على المحاربة ولا على إظهار الفساد في دار الإسلام، والآية تقتضي ذلك. وثانيها: لا يجوز الاقتصار في المرتد على قطع اليد ولا على النفي، والآية تقتضي ذلك. وثالثها: أن الآية تقتضي سقوط الحد بالتوبة قبل القدرة وهو قوله * (إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم) * (المائدة: 34) والمرتد يسقط حذه بالتوبة قبل القدرة وبعدها، فدل ذلك على أن الآية لا تعلق لها بالمرتدين. ورابعها: أن الصلب غير مشروع في حق المرتد وهو مشروع هاهنا، فوجب أن لا تكون الآية مختصة بالمرتد. وخامسها: أن قوله * (الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا) * يتناول كل من كان موصوفا بهذه الصفة، سواء كان كافرا أو مسلما، أقصى ما في الباب أن يقال الآية نزلت في الكفار لكنك تعلم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. المسألة الثالثة: المحاربون المذكورون في هذه الآية هم القوم الذين يجتمعون ولهم منعة ممن أرادهم بسبب أنهم يحمي بعضهم بعضا ويقصدون المسلمين في أرواحهم ودمائهم، وإنما اعتبرنا القوة والشوكة لأن قاطع الطريق إنما يمتاز عن السارق بهذا القيد، واتفقوا على أن هذه الحالة إذا حصلت في الصحراء كانوا قطاع الطريق، فأما لو حصلت في نفس البلدة فقال الشافعي رحمه الله: إنه يكون أيضا ساعيا في الأرض بالفساد ويقام عليه هذا الحد. قال: وأراهم في المصر إن لم يكونوا أعظم ذنبا فلا أقل من المساواة، وقال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله: إذا حصل ذلك في المصر فإنه لا يقام عليه الحد. وجه قول الشافعي رحمه الله النص والقياس، أما النص فعموم قوله تعالى: * (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا) * ومعلوم أنه إذا حصل هذا المعنى في البلد كان لا محالة داخلا تحت عموم هذا النص، وأما القياس فهو أن هذا حد فلا يختلف في المصر وغير المصر كسائر الحدود. وجه قول أبي حنيفة رحمه الله أن الداخل في المصر يلحقه الغوث في الغالب فلا يتمكن من المقاتلة فصار في حكم السارق.
المسألة الرابعة: قوله * (أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض) * للعلماء في لفظ * (أو) * في هذه الآية قولان: الأول: أنها للتخيير وهو قول ابن عباس في رواية علي بن أبي طلحة وقول الحسن وسعيد بن المسيب ومجاهد، والمعنى أن الإمام إن شاء قتل وإن شاء صلب، وإن شاء قطع الأيدي والأرجل، وإن شاء نفى، أي واحد من هذه الأقسام شاء فعل. وقال ابن عباس في رواية عطاء: كلمة * (أو) * هاهنا ليست للتخيير، بل هي لبيان أن الأحكام تختلف باختلاف الجنايات، فمن اقتصر على القتل قتل، ومن قتل وأخذ المال قتل