المسألة الثالثة: قال القائلون بالقياس: دلت الآية على أن أحكام الله تعالى قد تكون معللة بالعلل، وذلك لأنه تعالى قال: * (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل) * كذا وكذا، وهذا تصريح بأن كتبة تلك الأحكام معللة بتلك المعاني المشار إليها بقوله * (من أجل ذلك) * والمعتزلة أيضا قالوا: دلت هذه الآية على أن أحكام الله تعالى معللة بمصالح العباد، ومتى ثبت ذلك امتنع كونه تعالى خالقا للكفر والقبائح فيهم مريدا وقوعها منهم، لأن خلق القبائح وإرادتها تمنع من كونه تعالى مراعيا للمصالح. وذلك يبطل التعليل المذكور في هذه الآية. قال أصحابنا: القول بتعليل أحكام الله تعالى محال لوجوه: أحدها: أن العلة إن كانت قديمة لزم قدم المعلول، وإن كانت محدثة وجب تعليلها بعلة أخرى ولزم التسلسل، وثانيها: لو كان معللا بعلة فوجود تلك العلة وعدمها بالنسبة إلى الله تعالى إن كان على السوية امتنع كونه علة، وإن لم يكن على السوية فأحدهما به أولى، وذلك يقتضي كونه مستفيدا تلك الأولوية من ذلك الفعل، فيكون ناقصا لذاته مستكملا بغيره وهو محال. وثالثها: أنه قد ثبت توقف الفعل على الوداعي، ويمتنع وقوع التسلسل في الدواعي، بل يجب انتهاؤها إلى الداعية الأولى التي حدثت في العبد لا من العبد بل من الله، وثبت أن عند حدوث الداعية يجب الفعل، وعلى هذا التقدير فالكل من الله، وهذا يمنع من تعليل أفعال الله تعالى وأحكامه، فثبت أن ظاهر هذه الآية من المتشابهات لا من المحاكمات، والذي يؤكد ذلك قوله تعالى: * (قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا) * (المائدة: 17) وذلك نص صريح في أنه يحسن من الله كل شيء ولا يتوقف خلقه وحكمه على رعاية المصالح. المسألة الرابعة: قوله * (أو فساد في الأرض) * قال الزجاج: إنه معطوف على قوله * (نفس) * والتقدير من قتل نفسا بغير نفس أو بغير فساد في الأرض، وإنما قال تعالى ذلك لأن القتل يحل لأسباب كثيرة، منها القصاص وهو المراد بقوله * (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض) * ومنها الكفر مع الحراب، ومنها الكفر بعد الإيمان، ومنها قطع الطريق وهو المراد بقوله تعالى بعد هذه الآية * (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله) * (المائدة: 33) فجمع تعالى كل هذه الوجوه في قوله * (أو فساد في الأرض) *.
المسألة الخامسة: قوله فكأنما قتل الناس جميعا) * وفيه إشكال. وهو أن قتل النفس الواحدة كيف يكون مساويا لقتل جميع الناس، فإن من الممتنع أن يكون الجزء مساويا للكل، وذكر المفسرون بسبب هذا السؤال وجوها من الجواب وهي بأسرها مبنية على مقدمة واحدة وهي أن تشبيه أحد الشيئين بالآخر لا يقتضي الحكم بمشابهتهما من كل الوجوه، لأن قولنا: هذا يشبه ذاك أعم من قولنا: إنه يشبهه من كل الوجوه، أو من بعض الوجوه، وإذا