عن المسلمين، فلو أخرجناه إلى بلد آخر لاستضر به من كان هناك من المسلمين، وإما أن يكون المراد إخراجه إلى دار الكفر وهو أيضا غير جائز، لأن إخراج المسلم إلى دار الكفر تعريض له بالردة وهو غير جائز، ولما بطل الكل لم يبق إلا أن يكون المراد من النفي نفيه عن جميع الأرض إلا مكان الحبس. قالوا: والمحبوس قد يسمى منفيا من الأرض لأنه لا ينتفع بشيء من طيبان الدنيا ولذاتها، ولا يرى أحدا من أحبابه، فصار منفيا عن جميع اللذات والشهوات والطيبات فكان كالمنفي في الحقيقة. ولما حبسوا صالح بن عبد القدوس على تهمة الزندقة في حبس ضيق وطال لبثه هنالك ذكر شعرا، منه قوله: خرجان عن الدنيا وعن وصل أهلها فلسنا من الأحياء ولسنا من الموتى إذا جاءنا السجان يوما لحاجة عجبنا وقلنا جاء هذا من الدنيا قال الشافعي رحمه الله: هذا النفي المذكور في الآية محمول على وجهين: الأول: أن هؤلاء المحاربين إذا قتلوا وأخذوا المال فالإمام إن أخذهم أقام عليهم الحد، وإن لم يأخذهم طلبهم أبدا فكونهم خائفين من الإمام هاربين من بلد إلى بلد هو المراد من النفي. الثاني: القوم الذين يحضرون الواقعة ويكثرون جمع هؤلاء المحاربين ويخيفون المسلمين ولكنهم ما قتلوا وما أخذوا المال فالإمام إن أخذهم أقام عليهم الحد، وإن لم يأخذهم طلبهم أبدا. فيقوم الشافعي هاهنا: إن الإمام يأخذهم ويعزرهم ويحبسهم، فالمراد بنفيهم عن الأرض هو هذا الحبس لا غير، والله أعلم. ثم قال تعالى: * (ذلك لهم خزي في الدنيا) * أي فضيحة وهوان * (ولهم في الآخرة عذاب عظيم) *. قالت المعتزلة: الآية دالة على القطع بوعيد الفساق من أهل الصلاة، ودالة على أن قتلهم قد أحبط ثوابهم، لأنه تعالى حكم بأن ذلك لهم خزي في الدنيا والآخرة، وذلك يدل على كونهم مستحقين للذم، وكونهم مستحقين للذم في الحال يمنع من بقاء استحقاقهم للمدح والتعظيم لما أن ذلك جمع بين الضدين، وإذا كان الأمر كذلك ثبت القول بالقطع بوعيد الفساق، وثبت القول بالإحباط.
والجواب: لا نزاع بيننا وبينكم في أن هذا الحد إنما يكون واقعا على جهة الخزي والاستخفاف