يدل على أن المقصود بالذكر من الأقاصيص والقصص في القرآن العبرة لا مجرد الحكاية، ونظيره قوله تعالى: * (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب) * (يوسف: 111).
ثم قال تعالى: * (إذ قربا قربانا) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: إذ: نصب بماذا؟ فيه قولان الأول: أنه نصب بالنبأ، أي قصتهم في ذلك الوقت. الثاني: يجوز أن يكون بدلا من النبأ أي واتل عليهم من النبأ نبأ ذلك الوقت، على تقدير حذف المضاف. المسألة الثانية: القربان: اسم لما يتقرب به إلى الله تعالى من ذبيحة أو صدقة، ومضى الكلام على القربان في سورة آل عمران. المسألة الثالثة: تقدير الكلام وهو قوله * (إذ قربا قربانا) * قرب كل واحد منهما قربانا إلا أنه جمعهما في الفعل وأفرد الاسم، لأنه يستدل بفعلهما على أن لكل واحد قربانا. وقيل: إن القربان اسم جنس فهو يصلح للواحد والعدد، وأيضا فالقربان مصدر كالرجحان والعدوان والكفران والمصدر لا يثنى ولا يجمع. ثم قال تعالى: * (فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قيل: كانت علامة القبول أن تأكله النار وهو قول أكثر المفسرين. وقال مجاهد: علامة الرد أن تأكله النار، والأول أولى لاتفاق أكثر المفسرين عليه. وقيل: ما كان في ذلك الوقت فقير يدفع إليه ما يتقرب به إلى الله تعالى، فكانت النار تنزل من السماء فتأكله. المسألة الثانية: إنما صار القربانين مقبولا والآخر مردودا لأن حصول التقوى شرط في قبول الأعمال. قال تعالى هاهنا حكاية عن المحق * (إنما يتقبل الله من المتقين) * وقال فيما أمرنا به من القربان بالبدن * (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم) * (الحج: 37) فأخبر أن الذي يصل إلى حضرة الله ليس إلا التقوى والتقوى من صفات القلوب قال عليه الصلاة والسلام: " التقوى هاهنا " وأشار إلى القلب، وحقيقة التقوى أمور: أحدها: أن يكون على خوف ووجل من تقصير نفسه في تلك الطاعة فيتقي بأقصى ما يقدر عليه عن جهات التقصير، وثانيها: أن يكون في غاية الاتقاء من أن يأتي بتلك الطاعة لغرض سوى طلب مرضاة الله تعالى. وثالثها: أن يتقي أن يكون لغير الله فيه شركة، وما أصعب رعاية هذه الشرائط! وقيل في هذه القصة: إن أحدهما جعل قربانه أحسن ما كان معه، والآخر جعل قربانه أردأ ما كان معه. وقيل: إنه أضمر أنه لا يبالي سواء قبل أو لم يقبل ولا يزوج أخته من هابيل. وقيل: كان قابيل ليس من أهل التقوى والطاعة، فلذلك لم يقبل الله قربانه.