فيخرج عن العهدة. الثاني: أنه قال: * (فلم تجدوا ماء فتيمموا) * علق جواز التيمم بفقدان الماء، وههنا لم يحصل فقدان الماء، فوجب أن لا يجوز التيمم. المسألة الثانية: قال أصحابنا: الماء إذا قصد تشميسه في الإناء كره الوضوء به، وقال أبو حنيفة وأحمد رحمهما الله: لا يكره. حجة أصحابنا ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من اغتسل بماء مشمس فأصابه وضع فلا يلومن إلا نفسه " ومن أصحابنا من قال: لا يكره ذلك من جهة الشرع، بل من جهة الطب. وحجة أبي حنيفة رحمه الله أنه أمر بالغسل في قوله * (فاغسلوا وجوهكم) * وهذا غسل فيكون كافيا، الثاني أنه واجد للماء فلم يجز له التيمم. المسألة الثالثة: لا يكره الوضوء بما فضل عن وضوء المشرك، وكذا لا يكره الوضوء بالماء الذي يكون في أواني المشركين. وقال أحمد وإسحاق لا يجوز. لنا أنه أمر بالغسل وقد أتى به ولأنه واجد للماء فلا يتيمم. وروى أنه عليه الصلاة والسلام توضأ من مزادة مشركة، وتوضأ عمر رضي الله عنه من ماء في جرة نصرانية. المسألة الرابعة: يجوز الوضوء بماء البحر. وقال عبد الله بن عمرو بن العاص لا يجوز. لنا أنه أمر بالغسل وقد أتى به، ولأن شرط جواز التيمم عدم الماء، ومن وجد ماء البحر فقد وجد الماء. المسألة الخامسة: قال الشافعي رحمه الله: لا يجوز الوضوء بنبيذ التمر. وقال أبو حنيفة رحمه الله: يجوز ذلك في السفر. حجة الشافعي قوله * (فلم تجدوا ماء فتيمموا) * أوجب الشارع عند عدم الماء التيمم، وعند الخصم يجوز له الترك للتيمم بل يجب، وذلك بأن يتوضأ بنبيذ التمر، فكان ذلك على خلاف الآية، فإن تمسكوا بقصة الجن قلنا: قيل إن ذلك كان ماء نبذت فيه تميرات لإزالة الملوحة، وأيضا فقصة الجن كانت بمكة وسورة المائدة آخر ما نزل من القرآن، فجعل هذا ناسخا لذلك أولى. المسألة السادسة: ذهب الأوزاعي والأصم إلى أنه يجوز الوضوء والغسل بجميع المائعات الطاهرة، وقال الأكثرون: لا يجوز. لنا أن عند عدم الماء أوجب الله التيمم، وتجويز الوضوء بسائر المائعات يبطل ذلك. احتجوا بأن قوله تعالى: * (فاغسلوا وجوهكم) * أمر بمطلق الغسل، وإمرار المائع على العضو يسمى غسلا كقول الشاعر: فيا حسنها إذ يغسل الدمع كحلها وإذا كان الغسل اسما للقدر المشترك بين ما يحصل بالماء وبين ما يحصل بسائر المائعات كان قوله * (فاغسلوا) * إذنا في الوضوء بكل المائعات.
(١٦٩)