أكثر البدن صحيحا غسل الصحيح دون التيمم، وإن كان أكثره جريحا يكفيه التيمم. حجة الشافعي رحمه الله الأخذ بالاحتياط، وحجة أبي حنيفة رحمه الله أن الله تعالى جعل المرض أحد أسباب جواز التيمم، والمرض إذا كان حالا في بعض أعضائه فهو مريض فكان داخلا تحت الآية. المسألة الرابعة: لو ألصق على موضع التيمم لصوقا يمنع وصول الماء إلى البشرة ولا يخاف من نزع ذلك اللصوق التلف، قال الشافعي رحمه الله: يلزمه نزع اللصوق عند التيمم حتى يصل التراب إليه، وقال الأكثرون: لا يجب. حجة الشافعي رعاية الاحتياط، وحجة الجمهور أن مدار الأمر في التيمم على التخفيف وإزالة الحرج على ما قال تعالى: * (وما جعل عليكم في الدين من حرج) * (الحج: 87) فإيجاب نزع للصوق حرج، فوجب أن لا يجب. المسألة الخامسة: يجوز التيمم في السفر القصير، وقال بعض المتأخرين من أصحابنا: لا يجوز. لنا أن قوله تعالى: * (أو على سفر) * مطلق وليس فيه تفصيل أن السفر هل هو طويل أو قصير، ولقائل أن يقول: أنا إذا قلنا السفر الطويل والقصير سببان للرخصة لكون لفظ السفر مطلقا وجب أن نقول: المرض الخفيف والشديد سببان للرخصة لكون لفظ المرض مطلقا، ويدل أيضا على أن السفر القصير يبيح التيمم ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه انصرف من قومه فبلغ موضعا مشرفا على المدينة فدخل وقت العصر فطلب الماء للوضوء فلم يجد فجعل يتيمم، فقال له مولاه: أتتيمم وها هي تنظر إليك جدران المدينة! فقال: أو أعيش حتى أبلغها، وتيمم وصلى، ودخل المدينة والشمس حية بيضاء وما أعاد الصلاة. المسألة السادسة: المسافر إذا كان معه ماء ويخاف العطش جاز له أن يتيمم لقوله تعالى في آخر الآية * (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج) * ولأن فرض الوضوء سقط عنه إذا أضر بماله، لدليل أنه إذا لم يجد الماء إلا بثمن كثير لم يجب عليه الوضوء، فإذا أضر بنفسه كان أولى. المسألة السابعة: إذا كان معه ماء وكان حيوان آخر عطشانا مشرفا على الهلاك يجوز له التيمم لأن ذلك الماء واجب الصرف إلى ذلك الحيوان، لأن حق الحيوان مقدم على الصلاة، ألا ترى أنه يجوز له قطع الصلاة عند إشراف صبي أو أعمى على غرق أو حرق، فإذا كان كذلك كان ذلك الماء كالمعدوم، فدخل حينئذ تحت قوله * (فلم تجدوا ماء فتيمموا) *.
المسألة الثامنة: إذ لم يكن معه ماء ولكن كان مع غيره ماء، ولا يمكنه أن يشتري إلا بالغبن الفاحش جاز التيمم له: لأن قوله * (وما جعل عليكم في الدين من حرج) * (الحج: 78) رفع عنه تحمل الغبن الفاحش، وحينئذ يكون كالفاقد للماء فيدخل تحت قوله * (فلم تجدوا ماء فتيمموا) * وكذا القول إذا كان يباع