الأول: أن قوله * (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) * يقتضي وجوب الابتداء بغسل الوجه لأن الفاء للتعقيب، وإذا وجب الترتيب في هذا العضو وجب في غيره لأنه لا قائل بالفرق. فإن قالوا: فاء التعقيب إنما دخلت في جملة هذه الأعمال فجرى الكلام مجرى أن يقال: إذا قمتم إلى الصلاة فأتوا بمجموع هذه الأفعال. قلنا:
فاء التعقيب إنما دخلت على الوجه لأن هذه الفاء ملتصقة بذكر الوجه، ثم إن هذه الفاء بواسطة دخولها على الوجه دخلت على سائر الأعمال، وعلى هذا دخول الفاء في غسل الوجه أصل، ودخولها على مجموع هذه الأفعال تبع لدخولها على غسل الوجه، ولا منافاة بين إيجاب تقديم غسل الوجه وبين إيجاب مجموع هذه الأفعال، فنحن اعتبرنا دلالة هذه الفاء في الأصل والتبع، وأنتم ألغيتموها في الأصل واعتبرتموها في التبع، فكان قولنا أولى.
والوجه الثاني: أن نقول: وقعت البداءة في الذكر بالوجه، فوجب أن تقع البداءة به في العمل لقوله * (فاستقم كما أمرت) * (هود: 112) ولقوله عليه الصلاة والسلام: " ابدؤا بما بدأ الله " وهذا الخبر وإن ورد في قصة الصفا والمروة إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، أقصى ما في الباب أنه مخصوص في بعض الصور لكن العام حجة في غير محل التخصيص، والثالث: أنه تعالى ذكر هذه الأعضاء لا على وفق الترتيب المعتبر في الحس، ولا على وفق الترتيب المعتبر في الشرع، وذلك يدل على أن الترتيب واجب. بيان المقدمة الأولى أن الترتيب المعتبر في الحس أن يبدأ من الرأس نازلا إلى القدم، أو من القدم صاعدا إلى الرأس، والترتيب المذكور في الآية ليس كذلك، وأما الترتيب المعتبر في الشرع فهو أن يجمع بين الأعضاء المغسولة، ويفرد الممسوحة عنها، والآية ليست كذلك، فإنه تعالى أدرج الممسوح في أثناء المغسولات، إذ ثبت هد فنقول: هذا يدل على أن الترتيب واجب، والدليل عليه أن إهمال الترتيب في الكلام مستقبح، فوجب تنزيه كلام الله تعالى عنه، ترك العمل به فيما إذا صار ذلك محتملا للتنبيه على أن ذلك الترتيب واجب، فيبقى في غير هذه الصورة على وفق الأصل. الرابع: أن إيجاب الوضوء غير معقول المعنى، وذلك يقتضي وجوب الإتيان به على الوجه الذي ورد في النص، بيان المقام الأول من وجوه: أحدها: أن الحدث يخرج من موضع والغسل يجب من موضع آخر وهو خلاف المعقول، وثانيها: أن أعضاء المحدث طاهرة لقوله تعالى: * (إنما المشركون نجس) * (التوبة: 28) وكلمة إنما للحصر، وقوله عليه الصلاة والسلام: " المؤمن لا ينجس حيا ولا ميتا) * وتطهير الطاهر محال، وثالثها: أن الشرع أقام التيمم مقام الوضوء، ولا شك أنه ضد النظافة والوضاءة، ورابعها: أن الشرع أقام المسح على الخفين مقام