وسائر الملائكة أعوانه.
القول الثاني: * (توفاهم الملائكة) * يعني يحشرونهم إلى النار، وهو قول الحسن.
المسألة الثالثة: في خبر (إن) وجوه: الأول: أنه هو قوله: قالوا لهم فيم كنتم، فحذف " لهم " لدلالة الكلام عليه. الثاني: أن الخبر هو قوله: * (فأولئك مأواهم جهنم) * فيكون (قالوا لهم) في موضع * (ظالمي أنفسهم) *، لأنه نكرة. الثالث: أن الخبر محذوف وهو هلكوا، ثم فسر الهلاك بقوله: * (قالوا فيم كنتم) * أما قوله تعالى: * (ظالمي أنفسهم) * ففيه مسألتان:
المسألة الأولى: قوله: * (ظالمي أنفسهم) * في محل النصب على الحال، والمعنى تتوفاهم الملائكة في حال ظلمهم أنفسهم، وهو وإن أضيف إلى المعرفة إلا أنه نكرة في الحقيقة، لأن المعنى على الانفصال، كأنه قيل ظالمين أنفسهم، لا أنهم حذفوا النون طلبا للخفة، واسم الفاعل سواء أريد به الحال أو الاستقبال فقد يكون مفصولا في المعنى وإن كان موصولا في اللفظ، وهو كقوله تعالى: * (هذا عارض ممطرنا) * (الأحقاف: 24) * (هديا بالغ الكعبة) * (المائدة: 95) * ( ثاني عطفه) * (الحج: 9) فالإضافة في هذه المواضع كلها لفظية لا معنوية.
المسألة الثانية: الظلم قد يراد به الكفر قال تعالى: * (إن الشرك لظلم عظيم) * (لقمان: 13) وقد يراد به المعصية * (فمنهم ظالم لنفسه) * (فاطر: 32) وفي المراد بالظلم في هذه قولان: الأول: أن المراد الذين أسلموا في دار الكفر وبقوا هناك، ولم يهاجروا إلى دار الإسلام. الثاني: أنها نزلت في قوم من المنافقين كانوا يظهرون الإيمان للمؤمنين خوفا، فإذا رجعوا إلى قومهم أظهروا لهم الكفر ولم يهاجروا إلى المدينة، فبين الله تعالى بهذه الآية أنهم ظالمون لأنفسهم بنفاقهم وكفرهم وتركهم الهجرة.
وأما قوله تعالى: * (قالوا فيم كنتم) * ففيه وجوه: أحدها: فيم كنتم من أمر دينكم. وثانيها: فيم كنتم في حرب محمد أو في حرب أعدائه. وثالثها: لم تركتم الجهاد ولم رضيتم بالسكون في ديار الكفار؟ ثم قال تعالى: * (قالوا كنا مستضعفين في الأرض) * جوابا عن قولهم * (فيم كنتم) * وكان حق الجواب أن يقولوا: كنا في كذا، أو لم نكن في شيء.
وجوابه: أن معنى * (فيم كنتم) * التوبيخ بأنهم لم يكونوا في شيء من الدين حيث قدروا على المهاجرة ولم يهاجروا، فقالوا: كما مستضعفين اعتذارا عما وبخوا به، واعتلالا بأنهم ما كانوا قادرين على المهاجرة، ثم إن الملائكة لم يقبلوا منهم هذا العذر بل ردوه عليهم فقالوا: * (ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها) * أرادوا أنكم كنتم قادرين على الخروج من مكة إلى بعض البلاد التي لا تمنعون